مراكز البيانات العالمية تواجه عاصفة فجوة الطاقة .. 8 خطوات تعزز تنافسية السعودية
مع تسارع وتيرة التحول الرقمي، أصبحت مراكز البيانات البنية التحتية الحيوية للاقتصاد الحديث وعصب تشغيل التطبيقات الرقمية، واستضافة خدمات الحوسبة السحابية، ودعم تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وبحسب خبراء تحدثوا لـ"الاقتصادية "، يثير هذا النمو المتسارع تحديا كبيرا يتمثل في فجوة الطاقة، وهي الفرق بين الطلب المتزايد على الطاقة والإمدادات المتاحة بشكل مستدام.
وقالوا أن هذه الفجوة بمثابة عاصفة قد تبدد آفاق التطور التكنولوجي السريع وزيادة الاعتماد على الخدمات الرقمية عالمياً، ما يفرض على الدول، بما في ذلك السعودية، مواجهة هذا التحدي للحفاظ على قدرتها التنافسية ضمن السباق العالمي لتوسيع قدرات مراكز البيانات.
هل يمكن سد فجوة الطاقة فعلا مع استمرار هذا النمو الهائل؟ وما هي تداعيات حجم استهلاك الطاقة وتكاليفها على السوق السعودية؟ وهل تعيق هذه التحديات خطط الرياض التحول إلى مركز إقليمي عالمي للبيانات؟ تساؤلات برسم الاجابة تطرحها "الاقتصادية" على عدد من المختصين .
السعودية في سباق البنية الرقمية
تخطو السعودية خطوات واسعة نحو ترسيخ مكانتها كمركز رقمي عالمي، حيث ارتفعت القدرة الاستيعابية لمراكز البيانات في السوق المحلية من 68 ميجاوات في 2021 إلى أكثر من 300 ميجاوات بنهاية الربع الثالث من 2024، وفقا لمصادر حكومية تحدثت لـ"الاقتصادية".
وقالت أن عدد مراكز البيانات المسجلة ارتفع إلى 55 مركزا حاليا، وهو تطور يهدف إلى دعم التحول الرقمي وتعزيز مكانة السعودية في الاقتصاد الرقمي العالمي.
ووفقا لمعطيات الاستهلاك يمكن لـ 300 ميجاوات تغطية احتياجات نحو 657 ألف منزل في السعودية إذا كانت تعمل بشكل مستمر وعلى مدى العام.
الاستهلاك العالمي
تحتضن أمريكا، على سبيل المثال، 5381 مركز بيانات، ما يعادل أكثر من نصف الإجمالي العالمي البالغ أكثر من 10 آلاف، حيث تتركز 86% منها في 10 دول فقط.
تستهلك جميع المراكز العالمية نحو 1% إلى 2% من إجمالي استهلاك العالم من الطاقة سنويا، بينما هناك ازدياد للطلب على السعات التخزينية خاصة مع استخدام البيانات الكبيرة (Big Data) وتطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI)، وكذلك تحسين الكفاءة التشغيلية.
فجوة الطاقة
الخبراء أكدوا في حديثهم لـ"الاقتصادية"، ضرورة الاستثمار في توفير الطاقة لمراكز البيانات، باعتبار هذه المراكز عصب الاقتصاد الرقمي الحديث، نتيجة استهلاك كميات هائلة من الطاقة، عادين الطاقة "النووية" خيارا آخر ذا أهمية لتلبية الاحتياجات من الطلب، حيث تتميز بانخفاض انبعاثات الكربون، والقدرة على توفير الطاقة بشكل مستمر.
الدكتور عبدالرحمن المطرف، أستاذ تقنية المعلومات بجامعة الملك سعود، أشار إلى أهمية مراكز البيانات التي باتت القلب النابض للاقتصاد الرقمي، مبينا أن مراكز البيانات في السعودية تعد شريان الحياة الذي يمكن المؤسسات من تحقيق أعلى درجات الفعالية في الأداء ودعم الابتكار التكنولوجي. وأشار إلى إسهام مراكز البيانات بشكل مباشر في تمكين الاقتصاد الرقمي عبر تزويد القطاعين العام والخاص بمنصة قوية لتحليل البيانات وإطلاق الخدمات الرقمية وتحقيق الأتمتة الذكية، مبينا أن هذه المراكز تؤدي دورا محوريا في تسهيل التحول الرقمي، حيث تدعم مجالات مثل التجارة الإلكترونية، التعليم عن بعد، والخدمات الحكومية الإلكترونية.
وفقا للدكتور المطرف، تواجه المراكز حول العالم تحديات كبيرة على صعيد الاستدامة، فهي تستهلك نحو 200 تيراوات ساعة سنويا.
احتياجات المراكز السعودية
في السعودية قد تصل احتياجات بعض مراكز البيانات الكبيرة إلى 100 ميجاوات سنويا بحسب المطرف، مقترحا تبني تقنيات التبريد المتقدمة لتحسين كفاءة استهلاك الطاقة، كأحد الحلول الرئيسية لخفض استهلاك الطاقة.
وقال "تطبيق تقنيات مثل التبريد بالغمر أو احتواء الممرات الساخنة والباردة يمكن أن يقلل استهلاك الطاقة إلى 30%".
أوضح أن التوقعات تشير إلى أن السعودية ستشهد نموا ملحوظا في عدد مراكز البيانات مع استثمارات تصل إلى 5 مليارات ريال بحلول عام 2026.
السعودية أرخص تكلفة للطاقة عالميا
تعد تكلفة الطاقة المستخدمة في بناء مراكز البيانات في السعودية الأرخص بين دول العالم، حيث تصل تكلفة الكيلووات ساعة إلى 4.8 سنت باستخدام الغاز وتنخفض إلى سنتين باستخدام الطاقة المتجددة، بحسب أمين الناصر رئيس أرامكو وكبير إدارييها التنفيذيين، وذلك خلال مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في أكتوبر 2024.
في المقابل تصل التكلفة في بريطانيا إلى 0.27 دولار وفي ألمانيا 0.17 دولار . "الاقتصادية" أرسلت استفسارات إلى وزارة الطاقة بخصوص هذا الموضوع، إلا أنها لم تتلق ردا حتى ساعة إعداد هذا التقرير.
8 خطوات لمواجهة التحديات
خالد أبو إبراهيم، خبير التقنية السعودي، أكد لـ"الاقتصادية" أهمية التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص لتعزيز الكفاءة التشغيلية والاستدامة، مشيرا إلى أن تطوير الكفاءات المحلية يعد ركيزة أساسية لنجاح هذا القطاع.
واتفق أبو إبراهيم مع ما ذكره المطرف حول دور مراكز البيانات في تحريك النمو الاقتصادي وتطوير المجتمع، محددا 8 خطوات تتعلق بكفاية قطاع مراكز البيانات الحالية والمستقبلية لتحقيق أقصى استفادة من القطاع والتي يجب أخذها في الحسبان، أبرزها التوسع في البنية التحتية لتلبية احتياجات السوق نظرا لتزايد الطلب على الخدمات الرقمية المستمر، وأيضا زيادة الطلب على السعة التخزينية خاصة مع تزايد استخدام البيانات الكبيرة (Big Data) وتطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI)، وكذلك تحسين الكفاءة التشغيلية.
وعلاوة على ذلك الأمان السيبراني في ظل تزايد التهديدات الإلكترونية، ما يتطلب استثمارات في التكنولوجيا والتدريب، إضافة إلى التوجه نحو الاستدامة باستخدام مراكز البيانات على مصادر الطاقة المتجددة وتقنيات التبريد الذكي لتحقيق الاستدامة البيئية، ما يتطلب استثمارات إضافية".
ومن هذه الخطوات الاستثمار في المواهب للإسهام في تلبية احتياجات السوق من تطوير المهارات والكفاءات المحلية في مجال تكنولوجيا المعلومات وإدارة مراكز البيانات، وكذلك تعاون أكبر بين الحكومة والقطاع الخاص لتعزيز بناء مراكز بيانات جديدة وتطوير الخدمات المقدمة، وأخيرا تحقيق الأهداف الوطنية وذلك في مضاعفة جهودها في إنشاء مراكز بيانات جديدة لتعزيز الابتكار والنمو الاقتصادي، بحسب خبير التقنية السعودي.
متوسط القدرة الإجمالية للطاقة
أبو إبراهيم أشار إلى أن متوسط القدرة الإجمالية لمراكز البيانات يراوح بين 1 ميجاوات إلى 10 ميجاوات، لكن يمكن أن تصل في بعض المراكز الكبيرة إلى 20 ميجاوات أو أكثر، بينما القدرة العالية للمراكز الكبيرة التي تستضيف خدمات ضخمة أو تعمل في مجالات مثل الحوسبة السحابية قد تحتاج إلى طاقة تتجاوز 50 ميجاوات.
وتختلف احتياجات الطاقة لمراكز البيانات بشكل كبير بناء على حجمها ونوع الخدمات التي تقدمها، بحسب أبو إبراهيم.
ويقول: "يحتاج حجم مراكز البيانات المتوسطة عادة من 200 إلى 500 كيلووات في الساعة عند التشغيل الكامل، والحجم الكبير إلى أكثر من 1 ميجاوات (1000 كيلووات) في الساعة".
على الصعيد الدولي، تتحرك شركات كبرى مثل "مايكروسوفت" و"أوراكل" نحو تشغيل مراكز البيانات باستخدام الطاقة النووية، حيث أعلنت “أوراكل” خططا لتشغيل مركز بيانات يتطلب أكثر من جيجاوات باستخدام مفاعلات نووية صغيرة، فيما وقعت "مايكروسوفت" اتفاقية للاستفادة من إنتاج مفاعل "ثري مايل آيلاند" في بنسلفانيا لتلبية احتياجاتها المتزايدة للطاقة.
" الاقتصادية" تواصلت مع شركات عالمية بينها جوجل وعلي بابا عبر البريد الالكتروني حول استهلاك الطاقة للمراكز وسعر تكلفة الكيلووات ساعة، إلا أنها لم تتلق الرد على الاستفسارات حتى لحظة نشر هذا التقرير.
حلول مستدامة لتحديات المستقبل
الدكتور حسين باصي خبير هندسة كهربائية سعودي، قال إن الاستثمار في توفير الطاقة في هذه المراكز يحمل أهمية بالغة، لما له من فوائد متعددة، حيث يعد استهلاك الطاقة أحد أكبر التكاليف التشغيلية لمراكز البيانات، وبالتالي، فإن خفض استهلاك الطاقة يترجم إلى توفير كبير في التكاليف، ما يعزز الربحية ويُحسّن القدرة التنافسية.
يقدر متوسط استهلاك مركز بيانات نموذجي بـ1 ميجاوات، وهو ما يعادل 200 كيلووات ساعة يوميا، و144 ألف كيلووات ساعة شهريا، و1.728 مليون كيلووات ساعة سنويا.
باصي لفت إلى صعوبة تحديد متوسط استهلاك مركز البيانات من الطاقة بدقة، حيث يعتمد ذلك على عوامل عدة، فعلى سبيل المثال تستهلك مراكز البيانات الكبيرة طاقة أكبر من المراكز الصغيرة، أيضا تختلف معدات مراكز البيانات في استهلاكها للطاقة، وكفاءة نظام التبريد تؤثر بشكل كبير في استهلاك الطاقة، مبينا أن القاعدة تقول بأنه كلما زاد معدل استخدام مركز البيانات، زاد استهلاك الطاقة.
الاستعانة بالطاقة النووية
قال باصي: إن إعلان جوجل عن الاستعانة بالطاقة النووية لتشغيل مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي يشير إلى الزيادة المطردة في احتياجات الطاقة لهذه المراكز، وعزا ذلك إلى النمو السريع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، التي تتطلب قدرات حوسبية هائلة.
وعد الدكتور باصي الطاقة النووية خيارا جيدا لتلبية هذه الاحتياجات، حيث تتميز بانخفاض انبعاثات الكربون، والقدرة على توفير الطاقة بشكل مستمر.
وبحسب الخبير يعد الاستثمار في توفير الطاقة لهذه المراكز ضرورة ملحة في ظل التوسع المتزايد في هذا القطاع، حيث يسهم هذا الاستثمار في تحقيق عديد من الفوائد الاقتصادية والبيئية، ودعم أهداف السعودية في مجال الاستدامة.
ويقول إن الاستثمار في الطاقة الشمسية والنووية لتشغيل مراكز البيانات يمكن أن يحدث نقلة نوعية في تحقيق أهداف الاستدامة وتقليل الانبعاثات الكربونية.
أمازون
شركة أمازون العالمية قالت لـ"الاقتصادية": إن لديها أكثر من 500 مشروع للطاقة المتجددة في جميع أنحاء العالم في 27 دولة، بما في ذلك مزارع الرياح ومزارع الطاقة الشمسية ومشاريع الطاقة الشمسية على أسطح المباني التي نشغلها.
وزودت "الاقتصادية" بمجموعة من الروابط لمشاريعها وأعمالها في هذا الشأن، حيث تستخدم الكهرباء المتجددة في جميع أعمالها بما في ذلك مرافق العمليات ومكاتب الشركات والمتاجر الفعلية ومراكز بيانات "أمازون ويب سيرفيسز" وجميع الشركات التابعة المتكاملة ماليا والتي تدعم ملايين العملاء على مستوى العالم.
وقالت إنها في 2024، بدأت في تنويع محفظة الطاقة من خلال شراء الطاقة النووية كمصدر إضافي للطاقة الخالية من الكربون، مشير إلى أن محفظة الطاقة المتجددة أصبحت كبيرة لديها بما يكفي لتشغيل أكثر من 7.6 مليون منزل أمريكي سنويا.
وأشارت إلى أنها تواصل الاستثمار في الطاقة المتجددة مع إيجاد مصادر إضافية للطاقة الخالية من الكربون والتي يمكن أن تساعد على تشغيل عملياتها وجلب مصادر جديدة للطاقة إلى الشبكات المحلية.