الذكاء الاصطناعي وتقلب الأسواق
أكثر كفاءة أم أكثر تقلبا؟ من شأن استخدام أحدث إصدارات الذكاء الاصطناعي في الأسواق المالية أن يسهم في تعزيز إدارة المخاطر وتعميق السيولة، ولكنه قد يؤدي أيضا إلى انعدام الشفافية في الأسواق ومزيد من الصعوبة في الرقابة عليها وانكشافها لمزيد من الهجمات السيبرانية ومخاطر التلاعب.
وتستخدم صناديق التحوط وبنوك الاستثمار وغيرها إستراتيجيات التداول الكمي منذ عدة عقود. وقد ساعدت خوارزميات التداول الآلي الأسواق على العمل بمزيد من السرعة واستيعاب كثير من عمليات التداول بكفاءة أكبر عبر فئات الأصول الرئيسية، مثل الأسهم الأمريكية. وهناك مخاوف من أنها قد تؤدي إلى زعزعة استقرار الأسواق خلال فترات اشتداد الضغوط وعدم اليقين.
ويُتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي، من خلال قدرته على المعالجة شبه الفورية لكم كبير من البيانات وأيضا النصوص التي يستخدمها المتداولون، في إحداث طفرة على صعيد هذه التطورات.
وفي سوق الصناديق الاستثمارية المتداولة في البورصة، نرى شواهد على هذه التغيرات بالفعل. فرغم حجمها المحدود في الوقت الحالي، أحرزت الصناديق المدعومة بالذكاء الاصطناعي تقدما هائلا مقارنة بغيرها من حيث إجمالي حجم التعاملات. ففي الصناديق الاستثمارية التقليدية التي تطبق مفهوم الإدارة النشطة، يبلغ إجمالي حجم التعامل على الحيازات أقل كثيرا من مرة واحدة سنويا، مقابل مرة كل شهر تقريبا في الصناديق المدعومة بالذكاء الاصطناعي. وحال انتشارها، قد تؤدي هذه الإستراتيجيات مستقبلا إلى أسواق أكثر عمقا وسيولة، وهو أمر جيد للمستثمرين، ولكنها قد تسهم أيضا في زعزعة استقرار الأسواق. فخلال الاضطرابات السوقية في مارس 2020، ازداد إجمالي حجم التعاملات في عدد من الصناديق الاستثمارية المتداولة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ما يشير إلى إمكانية تزايد عمليات البيع الجماعي خلال فترات الضغوط فيما يشبه سلوك القطيع.
وقد يسهم استخدام الذكاء الاصطناعي بالأسواق في سرعة استجابة الأسعار للمستجدات. وأشار المستثمرون إلى صدور محاضر اجتماعات الاتحاد الفيدرالي المعقدة والطويلة كمثال، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي إعطاء إشارات لتوجيه عمليات التداول أسرع من أي متداول بشري. وربما يحدث ذلك بالفعل حاليا.
من يمكن أن يستفيد من هذه التكنولوجيات الجديدة؟ الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى انتقال الاستثمارات إلى صناديق التحوط وشركات التداول الذاتي وغيرها من جهات الوساطة المالية غير المصرفية، ما قد يجعل الأسواق أقل شفافية ويزيد من صعوبة الرقابة عليها. وتتمتع المؤسسات غير المصرفية بميزة هيكلية في استخدام الذكاء الاصطناعي. فهي، بوجه عام، أكثر مرونة وتخضع لقيود تنظيمية أقل مقارنة بالبنوك التجارية والاستثمارية الكبرى التي غالبا ما يتعين عليها التعامل مع بنية تحتية متقادمة، وربما تخضع لمتطلبات أكثر صرامة، بما في ذلك ضمان سهولة تفسير نماذج الذكاء الاصطناعي المعقدة.
كيف يمكن للجهات التنظيمية والإشرافية الاستعداد لهذا العالم الجديد؟ في سوق أسرع استجابة للمستجدات، حيث قد تتزايد أهمية المؤسسات غير المصرفية مع الوقت، يتعين تعزيز مختلف جوانب التنظيم والإشراف في المجالات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
وعلى سلطات القطاع المالي ومنصات التداول أن تحدد ما إذا كانت في حاجة إلى تصميم آليات جديدة للاستجابة للتقلبات -أو تعديل الآليات الحالية على النحو اللازم- للاستجابة إلى "الانهيارات المفاجئة" التي قد تنشأ في سياق عمليات التداول المدعومة بالذكاء الاصطناعي. وتشمل هذه الآليات متطلبات الهامش، وآليات وقف التداول، وصلابة الأطراف المقابلة المركزية.
وبالمثل، ينبغي أن تواصل سلطات القطاع المالي تشديد المتطلبات الرقابية والتنظيمية على جهات الوساطة المالية غير المصرفية من خلال إلزامها بالكشف عن هويتها والإفصاح عن أي معلومات ذات صلة بالذكاء الاصطناعي، إلى جانب إلزام المؤسسات المالية بإعداد خرائط بعلاقات الاعتماد المتبادل بين البيانات والنماذج والبنية التحتية التكنولوجية الداعمة لنماذج الذكاء الاصطناعي.
ومن خلال الرقابة والإشراف عن كثب على هذه السوق سريعة التغير، سيتسنى إرساء الأساس لاستجابة تنظيمية ملائمة ومتوازنة قد تسمح للمشاركين في القطاع المالي بالاستفادة من الذكاء الاصطناعي والحد من مخاطره.