تراجع أسعار النفط يدفع الشركات الكبرى للاقتراض لدفع أرباح المساهمين
يرجح أن يدفع تراجع أسعار النفط وهوامش ربح التكرير 4 من أكبر 5 شركات منتجة للنفط على مستوى العالم، إلى الاقتراض لتمويل عمليات شراء الأسهم التي تبلغ تكلفتها 15 مليار دولار خلال الربع الأحدث، الأمر الذي يثير الشكوك حول استمرارية توزيعات الأرباح في المدى الطويل.
يتوقع أن تسجل شركات "إكسون موبيل"، و"شيفرون"، و"شل"، و"توتال إنرجيز" و"بي بي" (BP)، انخفاض أرباحها 12% عن الربع الماضي، لتبلغ مجتمعة 24.4 مليار دولار، عند الإعلان عن نتائجها المالية هذا الأسبوع، بحسب متوسط توقعات المحللين التي جمعتها "بلومبرغ". ما سيترك كل هذه الشركات- باستثناء "شل"- غير قادرة على تغطية توزيعات الأرباح وعمليات إعادة الأسهم من التدفقات النقدية الحرة، المتوقع انخفاضها بنسبة 30 % عن الفترة نفسها من العام الماضي.
أصبحت عمليات إعادة شراء الأسهم حجر زاوية في استراتيجية شركات النفط الكبرى، حيث أدى ارتفاع أسعار السلع الأولية ما بعد جائحة كورونا إلى تحقيق أرباح قياسية، وأتاح الفرصة لجذب المستثمرين الذين راهنوا على أن تحول الطاقة لن يتم بسرعة. لكن في ظل تراجع التدفقات النقدية، هناك صعوبة بالوفاء بتعهدات الأرباح للمساهمين، إذ انخفضت أسعار النفط 17% عن أعلى مستوى لها هذا العام، رغم تصاعد التوترات في الشرق الأوسط. فيما ستنخفض أرباح الربع الثالث إلى نصف مستوياتها القياسية في 2022، وتسجل أدنى مستوى لها منذ 2021.
تباين مستوى الديون بين شركات النفط الأميركية والأوروبية
قال نوا باريت، كبير محللي بحوث الطاقة بمكتب شركة "جانوس هندرسون"، التي تدير أصولا بنحو 361 مليار دولار، في دنفر: "ترجح الأوضاع تراجعاً أكبر في أسعار النفط خلال الفترة المقبلة. سيتعين على الشركات الاعتماد على ميزانيتها على الأرجح، إذا رغبت في الحفاظ على المعدل الحالي لعمليات إعادة شراء الأسهم".
تقل نسبة الديون إلى رأس المال في شركتي "إكسون" و"شيفرون" عن 15%، بحسب البيانات التي جمعتها "بلومبرغ"، وهي نسبة أقل بكثير عن النطاق المستهدف في المدى المتوسط ما بين 20% إلى 25%. ويوفر ذلك لهما مساحة كبيرة للاقتراض لتمويل عمليات إعادة شراء الأسهم.
أما الشركات الكبرى الأوروبية، فنسب الديون لديها مرتفعة، ما يقلص مجال المناورة أمامها، وحذرت "بي بي" من ارتفاع مستويات صافي الديون في وقت سابق من هذا الشهر، على الرغم من أنها صاحبة أعلى مستوى مديونية بين نظرائها. كما سجل سهم "بي بي" أسوأ أداء بين شركات النفط الكبرى هذا العام، حيث انخفض 13%، مقارنة بتراجع أسعار النفط 2.3%.
التشاؤم يخيم على توقعات الطلب على النفط
لا يعد الاقتراض لتمويل عمليات إعادة شراء الأسهم أمراً غير شائع في قطاع النفط، حيث قد يرفع أرباح الأسهم عند انخفاض قيمتها، كما يساعد في تجنب فخ إعادة شراء الأسهم دورياً عند ارتفاع أسعارها. إلا أن التوقعات المتشائمة لأسعار النفط في العام المقبل تعني أن انخفاض السيولة مرشح للاستمرار على المدى الطويل.
خفضت منظمة "أوبك" توقعاتها للطلب العالمي على النفط للمرة الثالثة خلال 3 أشهر، بسبب تباطؤ اقتصاد الصين من بين أسباب أخرى. ورغم التوقعات المتشائمة، يعتزم التكتل بدء رفع الإنتاج بمقدار 2.2 مليون برميل يومياً في إطار زيادات تدريجية شهرية ستبدأ في ديسمبر. وفي الوقت نفسه ينمو إنتاج الدول غير الأعضاء في "أوبك" بمعدل كبير، خصوصاً في الأميركتين، فيما تتجه الولايات المتحدة، وغيانا، وكندا، والبرازيل إلى إضافة نحو مليون برميل يومياً خلال 2025، بحسب باريت.
قالت كيم فوستيير، مديرة بحوث أسهم شركات النفط والغاز الأوروبية في "إتش إس بي سي"، في مقابلة، إن الاقتراض لتمويل عمليات إعادة شراء الأسهم قد يمثل استخداماً نافعاً للسيولة عندما تتسم ميزانيات الشركة بقوة مقبولة. والسؤال هنا هو إلى متى سيستمر ذلك؟.
انخفاض أرباح التكرير عالمياً
تعتمد الشركات على نشاط التكرير في أغلب الأوقات للمحافظة على استقرار الأرباح عند تراجع أسعار النفط، إلا أنه يواجه ضغوطاً أيضاَ. حيث حذرت "إكسون" و"توتال" و"بي بي" و"شل" جميعاً من انخفاض هوامش الربح في وحدات إنتاج الوقود على مستوى العالم خلال الربع الثالث، وسط تراجع الطلب على الوقود الأحفوري وزيادة العرض.
كتب محللو "بنك أوف أميركا" في مذكرة صدرت الشهر الجاري أن "العصر الذهبي للتكرير الذي استمر 70 عاماً" يقترب من نهايته، وسط "التآكل المستمر" لهوامش الربح منذ المستويات القياسية في 2022، وأن قدرة التكرير على مستوى العالم سترتفع بمقدار 730 ألف برميل يومياً في 2025، و660 ألف برميل يومياً في 2026، حيث ستعوض زيادة الإنتاج في المكسيك والشرق الأوسط والصين تأثير الإغلاقات في الولايات المتحدة وأوروبا.
المستثمرون يترقبون الإعلان عن الأرباح
حقق سهم "إكسون" الأداء الأفضل بين شركات النفط الكبرى هذا العام، حيث ارتفع 20% وزادت القيمة السوقية للشركة بمقدار 130 مليار دولار. ما يتجاوز القيمة الإجمالية لشركة "بي بي". وسيترقب المستثمرون ليرون ما إذا كانت الشركة ستواصل الارتفاع الكبير في الإنتاج في غيانا، حيث تسيطر على اكتشاف نفط يبلغ 11 مليار برميل، وفي حوض البرميان في الولايات المتحدة، حيث توسعت في الآونة الأخيرة عبر الاستحواذ على "بايونير ناتشورال ريسورسز" مقابل 60 مليار دولار، وينتج كلا المشروعين الخام بتكلفة أقل من 35 دولاراً للبرميل.
سجل سهم "شيفرون" أداءً دون مستوى سهم منافسته الأميركية هذا العام، بعد توقف صفقة الاستحواذ على شركة "هيس" مقابل 53 مليار دولار، نتيجة نزاع تحكيمي مع "إكسون". وسيحرص الرئيس التنفيذي، مايك ويرث، على أن يؤكد أن مشروع "تنغيز" في كازاخستان، الذي تأخر وتجاوزت تكلفته الميزانية المحددة، في طريقه للاكتمال العام المقبل، وأن يعرض المستجدات بخصوص عمليات الشركة في الغاز الإسرائيلي، بعد خسارة وقت الإنتاج بسبب الصراع الدائر مع إيران وحلفائها في المنطقة.
وأشارت فوستيير من "إتش إس بي سي" إلى أن المستثمرين سيترقبون أيضاً استمرار عودة أرباح التداول إلى المستويات الطبيعية، ما قد يمثل رياحاً عكسية أساسية أمام "بي بي" و"شل"، اللتان حققتا أرباحاً كبيرة من هذا النشاط بحسب البيانات التاريخية. ستبدأ "بي بي" موسم الإعلان عن أرباح شركات النفط الكبرى في 29 أكتوبر.