مفاجأة .. تحول الطاقة يعتمد على الفحم
المصادر المتجددة لا يمكنها مواكبة نمو استهلاك الكهرباء الكبير حول العالم
تقديرات وكالة الطاقة الدولية لاستهلاك الفحم في 2030 أعلى 6 % مما كانت عليه قبل عام
توقعات بنمو استهلاك الكهرباء بين 2023 و 2030 بوتيرة أسرع 6 مرات من إجمالي الطلب
آسيا تشكل مركز الطفرة في استهلاك الكهرباء والصين والهند الأعلى اعتمادا على الفحم بالعالم
لا عجب في أن يتزايد الطلب على الكهرباء بقوة في جميع أنحاء العالم في ظل التوجه لتحويل كل شيء للعمل بها! فالسيارات التي تعمل بالبنزين تخرج من الخدمة لتحل محلها السيارات الكهربائية، ومراجل الغاز تأخذ مكانها المضخات الحرارية، وهكذا دواليك. هذا ما يسمى بالتحول في قطاع الطاقة. غير أن هناك مشكلة، فمع ارتفاع الطلب على الكهرباء بوتيرة أسرع مما تستطيع الطاقة المتجددة تلبيته، يتجه العالم إلى مصدر اختبره زمنا طويلا لإنتاجها، ألا وهو الفحم.
وترتب على ذلك أمران؛ أولهما تأخير الموعد الذي من المتوقع أن يصل فيه الطلب على الفحم إلى ذروته. والثاني أن ما يتلو تلك الذروة سيكون فيما يبدو استقرار الطلب عند مستوى مرتفع يزداد عاماً بعد عام. وإذا كنا سنتعلم شيئا من التاريخ، فعلينا أن نتوقع مزيداً من المراجعات.
إغلاق محطات الكهرباء العاملة بالفحم
نادراً ما نسمع عن وقف استهلاك الفحم في الأوصاف البراقة التي يستخدمها من يتحدثون حول انتقال الطاقة، إذ لا يُذكر الفحم إلا عندما تغلق إحدى الدول آخر محطة كهرباء لديها تعمل بالفحم. وهذه هي الرسالة التي وصلت أخيرا من المملكة المتحدة، التي أنهت 142 عاماً من توليد الكهرباء بالفحم عندما أغلقت آخر محطة تعمل به في أواخر سبتمبر في راتكليف-أون-سوار، على بعد نحو 100 ميل شمال لندن.
في غضون ذلك، كانت آسيا مشغولة بافتتاح محطات جديدة. واقع الأمر أن أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثاً يسجل مستوى قياسياً في الاستهلاك، وطلباً أقوى من المتوقع في المستقبل. وهي علامة على التفاوت والتباين في عملية تحوّل الطاقة، حيث من الممكن أن يسجل إنتاج الطاقة الشمسية ارتفاعاً قياسياً جنباً إلى جنب مع الارتفاع القياسي في الطلب على الفحم.
في الأسبوع الماضي، نشرت وكالة الطاقة الدولية تقريرها السنوي بعنوان "توقعات الطاقة العالمية"، الذي يضم مراجعة شاملة للمسارات التي من المرجح أن يتخذها العرض والطلب على الوقود الأحفوري ومصادر الطاقة المتجددة حتى 2050.
تضمن التقرير المكون من 398 صفحة تحذيراً يقول: "عُدلت التوقعات الخاصة بالفحم بالزيادة خصوصاً في السنوات العشر المقبلة، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى التوقعات الأحدث للطلب على الكهرباء، لا سيما في الصين والهند".
لم يكن ذلك التعديل بسيطاً، فتقديرات استهلاك الفحم لعام 2030 أعلى 6 % الآن مما كانت عليه قبل عام واحد فحسب. ربما تبدو النسبة ضئيلة لكنها تعدل إضافة ما يوازي استهلاك اليابان، رابع أكبر مستهلك للفحم في العالم. وتعتقد وكالة الطاقة الدولية الآن أن استهلاك الفحم بحلول 2030 سيظل أعلى مما كان عليه في 2010.
التوسع في توليد الكهرباء
كان ذلك تعديلاً مهماً في تقرير -بخلاف ذلك- يتسم بالتفاؤل. فلا يزال التوسع في توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح يمضي بمعدلات أسرع مما يعتقد كثيرون، ومن بينهم وكالة الطاقة الدولية. ونتيجة لذلك؛ ترتفع حصتيهما في السوق. ويقول فاتح بيرول، المدير التنفيذي للوكالة: "في تاريخ الطاقة شهدنا عصر الفحم وعصر النفط، وها نحن ننتقل بسرعة إلى عصر الكهرباء".
لم يخطئ بيرول، الخبير الاقتصادي الذي تحول من تشجيع صناعة الوقود الأحفوري إلى إعادة تسويق نفسه كمدافع عن البيئة. ومع ذلك، فقد أغفل كثير مما ينبغي أن يقال عن هذا العصر الجديد للكهرباء. في جميع أنحاء العالم، يعتمد أكثر من ثلث إنتاج الكهرباء على حرق الفحم. وترتفع هذه النسبة في الصين إلى 60%، وتقترب من 75% في الهند.
الفحم مطلوب لأن استهلاك الكهرباء يزداد بوتيرة أسرع مما تلبيه المصادر المتجددة. كما أننا نستطيع الاعتماد عليه، فهو لا يتوقف على ظروف الطقس مثل الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية. وإلى جانب الفحم، لا يمكن توليد الكهرباء على مدار الساعة إلا من المحطات التي تعمل بالطاقة النووية والغاز. وربما يأتي يوم يمكن فيه الاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لفعل ذلك بمساعدة البطاريات. لكن في الوقت الحالي، لا تزال البطاريات قصيرة العمر وقدرتها ضئيلة مقارنة باحتياجات الطاقة حتى للمدن متوسطة الحجم.
الذكاء الاصطناعي والطلب على الكهرباء
أوافق على أن الطاقة النظيفة هي المستقبل. ولكن في الوقت الحالي، يظل الوقود الأحفوري هو الحاضر - خاصة عندما ينمو الطلب على الكهرباء بهذه السرعة. فمن المتوقع أن ينمو استهلاك الكهرباء بين عامي 2023 و2030 بوتيرة أسرع 6 مرات من إجمالي الطلب على الطاقة، مقارنة بوتيرة أسرع مرتين فحسب من 2010 إلى 2023 و1.4 مرة من 2000 إلى 2010. وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، يتزايد الطلب العالمي على الكهرباء سنوياً بما يعادل حجم استهلاك أكبر 10 مدن في العالم.
لا يتعلق هذا التسارع بالذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات كما يتردد كثيراً. وإن وجد لهما أثر فلن يشكلا سوى جزء بسيط من الزيادة في الاستهلاك. فالطلب على الكهرباء يأتي من كل القطاعات، لا سيما السيارات الكهربائية وأجهزة تكييف الهواء وحتى تحلية المياه.
مركز الطفرة في استهلاك الكهرباء هو آسيا، لذلك فموقف أكثر دولتين استهلاكاً للفحم في العالم، الصين والهند، ليس مستغرباً. فهما لا تتمسكان بهذا الوقود فحسب، بل تبنيان مزيداً من محطات الكهرباء التي تعمل به، والنتيجة هي أن تحول الطاقة أصبح أكثر تلويثاً للبيئة مما كان يأمل كثيرون.
في عهد المبعوث الأمريكي السابق للمناخ جون كيري، توصلت الولايات المتحدة لتوافق بشكل ما مع الصين بشأن التحول في قطاع الطاقة. تضمن الاتفاق غير المكتوب تخلي الصين عن الفحم مع مرور الوقت. وبالنظر إلى ذلك الآن، يبدو أن بكين تلاعبت بكيري، الذي كان متلهفاً للتوصل إلى اتفاق في قمة "كوب 26" (COP26) للمناخ في 2021 في غلاسكو، الذي كان أول مؤتمر يحضره كمندوب من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، عندما أراد البيت الأبيض تقديم أوراق اعتماده الخضراء بعد حقبة الرئيس السابق دونالد ترمب.
حان الوقت لنهج جديد. لا يمكن للعالم أن يدعي أنه يسير في الاتجاه الصحيح حتى ينخفض استهلاك الفحم بشكل ملحوظ، لنقل إلى مستويات 2000.وفقاً للاتجاهات الحالية، ليس من المرجح أن يحدث ذلك حتى ما بعد 2050 بكثير. ويجب على صناع السياسة التوقف عن التظاهر بأنهم قد فازوا بالمعركة ضد الفحم، فما زلنا بعيدين عن ذلك.
خاص بـ "بلومبرغ"