اليوم الوطني السعودي .. مكاسب سياسية تتوج بتكامل اقتصادي وناتج يتخطى التريليون دولار
يحتفل الطيارون بالعروض الجوية، وتُطلق مركباتهم الجوية دخانا كثيفا يتشكل في عنان السماء بألوان العلم السعودي، وعلى الأرض تكتسي الشرفات باللون الأخضر وسط احتفالات ميدانية للمواطنين والمقيمين الذين يحتفلون باليوم الوطني الـ94 في ذكرى توحيد الملك عبدالعزيز آل سعود الذي اعتزم على صهوة فرسه "عبيّة" توحيد البلاد في نطاقها الحالي، متكئاً على إرث عريق وعميق ضارب في أطناب الجزيرة العربية يبلغ 3 قرون، منذ اللحظة التي لمعت فيها فكرة تأسيس كيان سياسي كبير، يجمع الجزء الأكبر من شبه الجزيرة العربية تحت راية واحدة، إلى أن تحقق الحلم في 23 سبتمبر 1932.
منذ تلك اللحظة وعلى مدار 94 عاما، لم يكن العيد الوطني مجرد مناسبة وطنية فقط عند السعوديين، بل اليوم الذي يعودون فيه إلى هويتهم الأصيلة، ويسترجعون تفاصيل رحلة بلادهم الشاقة، أين كانت وإلى أين وصلت، وهكذا أصبح 23 سبتمبر موعد "تجديد الأحلام والطموحات"، وأسهم في ذلك دعم الدولة التي أصدرت قرارا في 2005 بِعَدِّ هذا اليوم إجازةً استثنائيةً للقطاعين الحكومي والخاص.
مطلع 2016، ومع إطلاق رؤية السعودية 2030، تغيّر مفهوم اليوم الوطني السعودي، وصار له أبعاد أكبر من الناحية الاقتصادية والسياسية، إذ حثت الرؤية على ضرورة تعزيز الشخصية الوطنية والاهتمام بتشكيل هويتها السليمة في مرحلة مبكرة، إضافة إلى تصحيح كل المفاهيم منذ الطفولة، كما استهدفت الرؤية إقامة مشروعات اقتصادية كُبرى تعتمد أساسا على التراث والثقافة، لإبراز وجه السعودية الحضاري، وصار العيد الوطني مناسبة للترويج لتلك المشروعات وإظهار أبرز ما تم فيها، ونتيجة ذلك بات هناك ما يُعرف بـ"مشروعات اليوم الوطني".
وكان من الطبيعي أن تحتل الدرعية صدارة تلك المشروعات، كونها مدينة الأجداد والمؤسسين ومقصد الأحفاد، كما أنها تحوي كثيرا من الآثار مثل حي الطرف وقصور سعد وسلوى وقصر عمر بن سعود الكبير، إلى جانب الأسوار والأبراج التاريخية الشاهقة.
وفي 2017 تأسست هيئة تطوير الدرعية لتتولى مهمة تحويل لؤلؤة السعودية إلى مركز ثقافي عالمي، تتجاور فيه الحضارة والمتاحف والحِرف الفلكلورية مع المناطق الترفيهية الحديثة والفنادق الفاخرة، وكل ذلك مع مراعاة الحفاظ على أبعاد المدينة الأثرية من الناحية العمرانية والبيئية.
ورصدت السعودية 63 مليار دولار لهذا المشروع الضخم، وحتى يناير الماضي بلغت استثمارات القطاع الخاص 6 مليارات دولار، أما المستهدف فهو استقطاب 27 مليون زائر والمساهمة بـ18 مليار دولار في الناتج المحلي بحلول 2030.
مشروعات اليوم الوطني تشمل أيضًا، جزيرة سندالة التي تمتلك مرسى ساحرًا مع 86 رصيفا بحريا، ما يجعلها أول وجْهة لنادي اليخوت في مدينة نيوم، إضافة إلى كونها أول جزيرة فاخرة في البحر الأحمر لما تملكه من موقع فريد ومساحة تبلغ 840 ألف متر مربع، وتوفر الجزيرة 3500 وظيفة تدعم القطاع السياحي، كما أنها إحدى الوجهات الرئيسة التي تعتمد عليها السعودية في جذب 100 مليون سائح بحلول عام 2030.
وكذلك الأمر بالنسبة لمدينة ذا لاين التي تقع ضمن القائمة، وتمتد بطول 170 كيلومترا ببنية تحتية تكلف من 100 إلى 200 مليار دولار، لتصبح مدينة مستقبلية متكاملة خالية من الانبعاثات الكربونية وموفرة لكل التجارب المريحة.
وثالث المشروعات هو مشروع تطوير العُلا، الذي يستهدف تحويل المحافظة الساحرة بصحرائها وجبالها الخلّابة إلى وجهة سياحية عالمية، بحفظ التراث والطبيعة وبرامج أخرى مثل الابتعاث الدولي ومنتجع شرعان ومحميته الطبيعية، وكذلك الصندوق العالمي لحماية النمر العربي، هذا إضافة إلى بنية تحتية تشمل 9 آلاف غرفة فندقية و15 مرفقا منوعا بين المتاحف والمعارض والمسارح، إلى جانب توسعة مطار العُلا، وهو ما تم في 2021 حين زادت مساحته إلى مليونين و400 ألف متر مربع وأصبحت ساحته تتسع لـ15 طائرة وانضم إلى قائمة المطارات الدولية، ومن المتوقع مساهمة العلا بنحو 120 مليار ريال في 2035.
مشاريع الهيئة الملكية لمدينة الرياض، من الرياض الخضراء والرياض آرت وحديقة الملك سلمان والمسار الرياضي، منطقة المربع الجديدة، إضافة إلى تطوير قمم السودة في منطقة عسير ومشروع الشعبية للطاقة الشمسية ومشروع "سير" للسيارات الكهربائية.
وذلك إضافة إلى برنامج السعودية لرواد الفضاء، كل هذا أصبح ضمن مشروعات هوية اليوم الوطني الذي تحوّل من عيد لذكرى جليلة إلى معادلة مهمة أدت إلى أن يحتل الاقتصاد السعودي المرتبة 17 ضمن أكبر اقتصادات العالم في 2022 بناتج محلي تخطى التريليون دولار.
لم تقل المكاسب السياسية لليوم الوطني عن المكاسب الاقتصادية، فالاحتفال بهذا العيد خلال الأعوام الماضية أسهم في ترسيخ الهوية السعودية، فباتت هناك أجيال صغيرة تعرف جذورها الأصيلة وماضيها العريق إلى جانب حضارتها الممتدة، ومع أعياد مثل "يوم التأسيس" و"عيد العلم السعودي" استطاعت السعودية إبراز هويتها وثقافتها عالميًا، وهو ما تدفع فيه الدول الكبرى مليارات الدولارات لتحقيقه.
هذا التكامل الاقتصادي والسياسي جعل من اليوم الوطني السعودي علامة تجارية مسجلة عالميًا، يمثل كثيرا من المعاني، كونه على مستوى الحكومات والأفراد من رجال المال والأعمال يعني المشروعات والفرص المستقبلية، وعند العامة يعني ظهور نجوم كرة القدم الذين نجحت السعودية في استقطابهم بالزي السعودي على غرار البرتغالي كريستيانو رونالدو والبرازيلي نيمار والفرنسي بنزيما وغيرهم مع بقية زملائهم الذين يحتفلون باليوم الكبير بتأدية العرضة السعودية ضمن رسائل ثقافية إعلامية تصل إلى مختلف بقاع العالم مفادها أن السعودية أعظم قصص نجاح القرن الـ21.