نظام الاستثمار المحدث نتاج تجربة سعودية طويلة في التعامل مع المستثمرين الأجانب
عدّ خبراء اقتصاديون نظام الاستثمار المحدث في السعودية نقلة جاذبة لمزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية على حد سواء، حيث أزال الفوارق بين نوعية المستثمرين وفق مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص ضمن بيئة إيجابية داعمة ومستقرة.
وقال لـ"الاقتصادية" الدكتور إحسان بوحليقة الخبير الاقتصادي ورئيس مركز جواثا الاستشاري: إن نظام الاستثمار المحدث الذي يدخل حيز التنفيذ مطلع 2025 استفاد من تجربة سعودية طويلة في التعامل مع المستثمرين الأجانب استمرت نحو 9 عقود منذ أن عقدت السعودية اتفاقية الامتياز مع الشركات المؤسسة لشركة "أرامكو" الأمريكية حينها.
وأضاف: "هذه التجربة قامت على التزام السعودية، كما هو ديدنها دائماً بالاتفاقيات المبرمة مع المستثمرين وبالمواثيق، والقائمة على حماية حقوق المستثمر من الصيغ التي انتشرت كالتأميم أو تعديل الاتفاقات من جانب واحد أو التدخل في الإدارة".
من جهته أكد لـ"الاقتصادية"، الدكتور محمد مكني أستاذ المالية والاستثمار بكلية الأعمال في جامعة الإمام أنه لا يمكن لأي اقتصاد أن يزدهر أو يتقدم دون وجود أنظمة تعزز من خلق بيئة استثمارية تنافسية، والسعودية لديها خطط لتكون وجهة عالمية جاذبة للاستثمار الأجنبي وممكنة للاستثمار المحلي.
وأشار مكني إلى أن نظام الاستثمار المُحدث جزء من الإصلاحات على مستوى الأنظمة والتشريعات في جميع القطاعات، مضيفًا أنه لا شك أن الاستثمار هدف رئيس لرؤية 2030.
يذكر أن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي قد أطلق في أكتوبر 2021 الإستراتيجية الوطنية للاستثمار كأحد الممكنات الرئيسة لتحقيق مستهدفات رؤية 2030، حيث اشتملت حزمة من المبادرات النوعية.
وشهد صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى السعودية ارتفاعا بنسبة 5 % على أساس سنوي إلى 9.5 مليار ريال في الربع الأول من العام الجاري وفقًا لبيانات وزارة الاستثمار الصادرة اليوم.
وهنا يعلق بوحليقة بالتأكيد على ما ذهب إليه مكني ، لافتا إلى التطور الجوهري الذي سيجلبه نظام الاستثمار المحدث، حيث يرسم إطارا للمقصود بالمستثمر، وبات يشمل المحليين والأجانب على حد سواء، متجاوزا المنصوص عليه في نظام الاستثمار الأجنبي السابق الذي كان يشمل المستثمرين الأجانب دون المواطنين ومن في حكمهم.
وجاءت إزالة الفوارق بين نوعية المستثمرين، انطلاقا من أهداف تنمية وتشجيع وتمكين الاستثمار الذي يعد أحد أبرز محركات تحقيق النمو الاقتصادي.
وأضاف رئيس مركز جواثا الاستشاري أن تأطير نظام الاستثمار المحدث انطلق من 4 أسس رئيسة هي صيانة وحصانة المصالح الوطنية الأمنية والاقتصادية، ولا سيما أن الحقوق السيادية تكفل إيقاف أي استثمار أجنبي لحماية الأمن الوطني بموضوعية تتماشى مع التزامات الاتفاقيات الدولية.
أما الإطار الثاني تحسين وتعزيز تنافسية البيئة الاستثمارية والمساهمة في التنمية الاقتصادية، وخلق الفرص الوظيفية عن طريق توفير مناخ استثماري جاذب للاستثمارات المحلية والوافدة.
والثالث التزام المستثمر بالتقيد والخضوع للأنظمة والتشريعات واحترامها بموجب الاتفاقيات الدولية. والرابع منح المستثمر أحقية في الاستثمار في أي قطاع أو نشاط متاح ما عدا ما يرد في القائمة السلبية.
واختتم بوحليقة حديثه بالتأكيد على مواكبة نظام الاستثمار المحدث للانفتاح الاقتصادي الذي تنتهجه السعودية تحقيقاً لرؤية 2030 تحقيقاً لمستهدفاتها، الذي أدى لتحسن ملموس في البيئة التنافسية.
وبين أن من شواهد ذلك تواتر تنامي الاستثمار (إجمالي تكوين رأس المال الثابت) دونما انقطاع -فيما عدا عام كوفيد، العام 2020- حيث ارتفع من 772 مليار ريال في 2016 إلى 1170 مليار في 2023، وفقا لإحصاءات البنك الدولي، أي بمعدل نمو سنوي مركب يتجاوز 6.1 %.
وبالعودة إلى الدكتور محمد مكني قال أستاذ المالية والاستثمار: "اليوم لدينا عدد ضخم من الفرص الاستثمارية في جميع القطاعات، ومن هذا المنطلق فإن العمل على تحديث أنظمة الاستثمار مستمر لتحفيز البيئة الاستثمارية والوصول للأهداف الإستراتيجية من خلال تسهيل الإجراءات التنظيمية بشفافية ووضوح وتعزيز العدالة التي يتحقق فيها مبدأ تكافؤ الفرص بين المستثمرين المحليين والأجانب".
وتطرق أستاذ المالية والاستثمار إلى حجم الزيادة في الاستثمار الأجنبي خلال سنوات الرؤية وحجم التغيير المنجز، حيث ارتفع رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 61% بين عامي 2017 و 2023، وارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 158 % في 2023 مقارنة بـ2017.
وحول الإستراتيجية الوطنية للاستثمار أشار مكني إلى هدفها الرئيس المتمثل في مضاعفة الاستثمارات السنوية بمقدار 3 أضعاف بحلول 2030 وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر السنوية أكثر من 20 ضعفًا وزيادة نسبة الاستثمارات من إجمالي الناتج المحلي من 22 % في عام 2019 إلى 30 % في 2030 وتحفيز الاستثمارات في القطاعات القائمة والناشئة.
وأضاف أن للاستثمار دور محوري لبناء اقتصاد عصري متنوع ومرن وتحديث أنظمة الاستثمار دليل على حرص السعودية لمواكبة جميع ما يساعد المستثمرين من أجل مزيد من الاستثمارات النوعية ومزيد من التقدم في كل المؤشرات الاقتصادية ولا سيما أن الاستثمار أحد أهم عناصر خلق الوظائف في الاقتصاد واستقطاب التقنية والخبرات وزيادة التنافسية للمستثمر المحلي وغيرها من المؤشرات الإيجابية.