مؤشرات الأداء تحت المجهر
قياس الأداء تحد صعب ومستمر خاصة في الأجهزة العامة ولذلك لجأ كثير من القيادات الإدارية لتوظيف معايير الأداء الأساسية (KPIs)، على المستوى الأول من التحليل لا يمكن إلا الترحيب بتوظيف آلية علمية مقارنة بكثير من الممارسات القديمة التي كثير منها يفقد الموضوعية. قياس الأداء ومتابعته في صلب محاولة رفع العائد على الاستثمارات العامة وتحسين الإنتاجية ورفع مستوى المساءلة. لكن هناك بعض الإشكاليات في تطبيق هذه المعايير حيث إن هناك ملاحظات اقتصادية وأحيانا فنية. منطلق التحدي في توظيفها أنها بطبعها "خطية" كمنحى رياضي دون تركيز على المعرفة الفنية والجودة أو العلاقة مع دوائر أخرى في الاقتصاد. أحيانا الأرضية غير مناسبة لتوظيف المعايير على خلفية غير متجانسة وغير محكمة وبالتالي يصبح القياس غير موضوعي ومكلفا وإن أخذ صفتي العلمية والعدالة. كثير من الممارسات وآفاق الحلول تنبع من تفهم عميق للثقافة الإدارية السائدة ونوعية الطاقات البشرية خاصة في إدارة منظومة الحوافز -عمود الأسبوع المقبل.
استحقاقات التنمية الاقتصادية نادرا ما يكون فيها الحجم والعدد هو الأساس لأن المخزون المعرفي والتمكين الفني والاستدامة المؤسساتية والترابط بين الفعاليات ذات العلاقة لا تخضع لعلاقة مباشرة مع الحجم والعدد. مؤشرات القياس عادة تأتي في منطقة بين التوجهات والخيارات الاقتصادية والإعداد الجيد بما في ذلك منظومة الحوافز من ناحية وبيئة أعمال قابلة للقياس الفني. أحيانا هناك خلط في الفكر والممارسة وبالتالي أحيانا سوء توظيف. توظيف KPIs يكون في أعلى قيمة حين تكون الخيارات والتوجهات الاقتصادية سليمة ولم يبق سوى ارتقاء السلم. إذا أجادت الشركة الخيارات الاقتصادية الكبيرة، فسيكون تطبيق معايير الأداء موضوعيا ومنطقيا. لكن إذا أخطأت الخيارات فقد تسهم المعايير في إضعاف الشركة ورفع التكلفة. لكن يصعب تطبيق المعايير بكفاءة على عدد من أبحاث أكاديمية بغرض الترقيات، أو بعض القضايا القانونية المعقدة. أحد مظاهر الإشكالية أن المبالغة في توظيف المعايير يشغل المدير وطاقمه في استهداف معايير خطية تأخذه تدريجيا بعيدا عن الخيارات الأخرى وقد تقتل الإبداع لأن الحل أصبح واضحا وليس هناك فرصة لخيارات أخرى.
الإشكالية أن توظيف المعايير في حال أن هناك أخطاء أو تغييرا في الخيارات الكبيرة، إن التكاليف المادية والمعنوية ترتفع. الخيار الأهم دائما في التوجهات قبل المعايير لذلك لا بد من مناقشة مستفيضة والتساؤل حول التأثيرات الثانوية وما بعدها قبل الشروع في تطبيق معايير الأداء الأساسية.
في البلاد النامية التحدي الأول خيارات وسياسات التنمية التي عادة لا تخضع لحسابات دقيقة لأن استحقاقات المنافسة بين الدول والتوازن بين الاستثمار والاستهلاك والتعاون بين القطاعين العام والخاص وثقافة المساءلة لا تحدد طبقا لحسابات دقيقة بطبعها وإنما من خلال تفهم ورصد فكري وبعض المؤشرات للمقارنة والاستدلال العام. ميدان هذه الخيارات هو تصرفات القائمين عليها من النخبة والطبقة التكنوقراطية وأصالة ومصداقية وجودة الخيارات. كلما كانت الخيارات جيدة احتجنا إلى توظيف المعايير أكثر وكلما نرتقي السلم التنموي نحتاج معايير أداء أكثر دقة. إجمالا علينا الحرص والانتقائية في توظيف معايير الأداء لأنها مفيدة وخطيره في آن واحد.