استشراف الطاقة .. بعين سعودية
ذكرت سابقا أن استشراف المستقبل ليس ترفا فكريا، وأنه خليط من الماضي وخبراته المتراكمة والمعلومات المستخلصة منه للموضوع محل الدراسة، والحاضر بمعطياته وأدواته المتاحة، وعند استشراف المستقبل لا يمكن إغفال جانب الاحتمالات المبنية على مدخلات دقيقة، وخبرات متراكمة تجيد قراءة المؤشرات المرتبطة بالموضوع أو الظاهرة محل الدراسة. قطاع الطاقة بأقسامه المختلفة يجري عليه ما يجري على غيره من القطاعات والأنشطة الاقتصادية، حيث إن مستقبله في اعتقادي مهم جدا، بل ضرورة ملحة لجميع المنتجين والمستهلكين على حد سواء، وعلى المستويين الداخلي والخارجي، كذلك لا يمكن بأي حال من الأحول أن تنمو الدول في منأى عن الطاقة، ولا يستقيم عقلا ومنطقا أن تتطور وتسعى نحو حياة أكثر مدنية بدونها. تقع الكوارث أحيانا بسبب أخطاء سابقة في رسم الاستراتيجيات، بسبب ضعف المدخلات، أو عدم توفيق في قراءة المؤشرات، ما يؤول بطبيعة الحال إلى فشل في استشراف المستقبل، وبالتالي أضرار تقدر بقدر الأخطاء السابقة. محاولة التقليل من أهمية الوقود الأحفوري وعلى رأسه النفط من بعض الجهات والدول وبيوت الخبرة، والسعي الحثيث لتقويض صناعته، في اعتقادي خطأ وخطر استراتيجي بمنزلة طريق سريع نحو فقر مدقع للطاقة لن يسلم كثيرون من تبعاته.
بعيدا عن هذه الزوبعة والزخم الإعلامي غير الموضوعي، عندما نتناول موضوع الطاقة أو مستقبلها فلا يمكن أبدا تجاوز السعودية ودورها الرئيس والقيادي دائما. السعودية كانت وما زالت تعمل بكل مسؤولية نحو استقرار أسواق النفط العالمية، وتسعى دائما إلى توازنها واستقرار أسعارها عند مناطق معتدلة تخدم المنتجين والمستهلكين على حد سواء.
يتجاهل البعض جوهر سياسة السعودية في إنتاج النفط الذي يصب في مصلحة المنتجين والمستهلكين على حد سواء، وذلك باستهداف مستوى سعري عادل للطرفين، والحرص على أمن الطاقة العالمي وسلامة إمداداته. فيما يخص مستقبل الطاقة على المستوى العالمي، أرى جليا أن السعودية تستشرف مستقبله بحكمة وموضوعية، وتعي تماما أهمية تنويع مصادر الطاقة ومنها الطاقة المتجددة، حيث تقوم بالفعل بجهد كبير وتستثمر أموالا طائلة في هذا القطاع. تنظر السعودية إلى هذا الموضوع بنظرة شمولية تتجاوز فيها الأجندات الاقتصادية والسياسية ضيقة الأفق. السعودية مؤمنة في اعتقادي أن النفط سيبقى متربعا على عرش مصادر الطاقة، وأن تنويع مصادر الطاقة يحافظ على ثروة الوقود الأحفوري الناضب، على المستويين الداخلي والخارجي كذلك، وأن إضافة شرايين جديدة للطاقة العالمية سيسهم بلا شك في مواكبة النمو السكاني والصناعي العالمي.
مزيج الطاقة هو ضرورة للحفاظ على المصادر الناضبة منها، وللحفاظ على أمن الطاقة العالمي والمستقبل المحفوف بمخاطر شح الطاقة وانعكاساته الكارثية لا قدر الله. تنويع مصادر الطاقة والتكامل معها يتماهى تماما مع النمو والتطور الذي يشهده العالم، وهو بلا شك ضرورة بل العمود الفقري للمدنية والصناعة، ويعزز أمن الطاقة العالمي الذي يجب أن يعي العالم أن الإخلال به سيكلف العالم كثيرا.