هل يقترب الاقتصاد العالمي من الذروة؟

أستعير مفردة الذروة من الأعمال الأدبية التي تقترب أو تصل فيها الحبكة الى اللحظة الحاسمة، وهي النقطة التي تشتد فيها الأزمة إن كانت حول السردية ذاتها أو أحد الشخوص الرئيسين. وكلما تعمقنا في القراءة ونحن نقترب من الذروة، زاد شوقنا لمعرفة إن كان هناك حل أو بعض الأوجه من الحلحلة للمعضلة. وأرى أن هناك كثيرا وليس بعض التناسق بين الحبكة الأدبية وكيفية عمل النظم الاقتصادية الرأسمالية التي يبدو أنها في طريقها إلى أقصى مدى يمكن الوصول إليه. وكما هو شأن الذروة في العمل الأدبي فإن نهاية المطاف أو الأمد في أي نظام اقتصادي قد تأتي على أشكال مختلفة، مع اختلاف جوهري. في الأول، للذروة انعكاسات شتى منها سلبي ومنها إيجابي على القارئ. في الثانية، الذروة قد تحدث انعكاسات سلبية ذات نطاق غير محدود وعلى مستويات شتى. والذروات جمع ذروة، هذه كانت إلى زمن قريب من محاسن النشاط الاقتصادي على كل المستويات، بمعنى آخر كلما زاد تأثيرها ووقعها، حسن الوضع الاقتصادي وأرتفع شأن المالكين أو المستثمرين. هناك، على ما أظن في الأقل خمسة نظم اقتصادية في طريقها الى الذروة، هذا إن لم تصلها للتو. سأسردها هنا باقتضاب شديد على أمل العودة إليه في مقالات منفصلة وكل على حدة في القادم من الأيام. وقد لا نبعد عن الواقع إن قلنا إن الصناديق الاقتصادية كنشاط اقتصادي وصلت إلى الذروة. هناك أكثر من دليل على أن تكديس الأموال في الصناديق السيادية لم يعد يبشر بالخير. إن الأمر صار مربكا أن يكدس بلد أمواله في بلد آخر بدلا من استثمارها مباشرة في بلده الأصلي. ومن ثم، قد يعمد البلد المضيف للصندوق إلى تجميد أو حجز الأموال المكدسة فيه. أين صار الصندوق السيادي الروسي ومئات البلايين من دولاراته التي تم إيداعها في المصارف والأسواق الغربية؟ وليست مصادفة أن تكتشف الدول الصناعية الكبرى أن الطاقة البديلة، شمسية كانت أم غيرها، ربما قد وصلت الذروة وهي في مهدها. سوقت هذه الدول الطاقات البديلة كأنها العصا السحرية التي ستدشن عالما يقل أو يزول فيه الاعتماد على الطاقة الأحفورية. رغم الاستثمارات الهائلة في الطاقة البديلة، التوقعات المستندة إلى أبحاث رصينة تشير إلى أن الشبكات الكهربائية الوطنية في الدول الغربية ستعاني نقصا في مصادر الطاقة وأن أسعار الحصول على الطاقة البديلة قد تؤدي الى انحسار في العرض. وأظهرت دراسة حديثة أنه حتى عند إضافة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى الشبكة الوطنية، فإن حصة الفرد من إنتاج الكهرباء في الولايات المتحدة ستنخفض إلى أقل من مستوياتها الحالية. وبسرعة مذهلة يبدو النظام الاقتصادي المبني على فكرة أن إقحام الذكاء الاصطناعي في الماكينة والعربات بشتى أنواعها سيتم دون الاعتماد على الطاقة الأحفورية. لقد وصف عالم اقتصادي مثل هذا المنطلق بالخرافة لأنه كلما زاد استخدام الدول الصناعية الكبرى للعربات والمكائن الكهربائية التي يديرها الذكاء الاصطناعي، زاد الاعتماد على الكهرباء، لأن هذه الأدوات تستهلك الطاقة بنهم. ولأن الطاقة البديلة لن يكون في إمكانها تلبية الطلب، سيبقى الاعتماد على مصادر الطاقة الأحفورية ساريا أبعد بكثير من التوقعات الحالية بفطم الصناعة عن النفط. وأخيرا وليس آخرا، يبدو أن أننا وصلنا الى الذروة إن أخذنا علاقة النمو الاقتصادي مع أسعار وعرض الطاقة. هناك زيادة في اليقين لدى الدول والمؤسسات أن النمو، عماد استدامة الاقتصاد، لن يتحقق وستزعزع أركانه دون الأخذ في الحسبان مسألة عرض وأسعار الطاقة. وأخيرا دخلت مسألة المديونية التي ربما وصل تأثيرها إلى الذروة مع اشتداد أزمة الديون وتأثيره المتوقع على النمو الاقتصادي. هذه نماذج محددة من النظم الاقتصادية التي باتت قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى الذروة، وسنعرج عليها ببعض الإسهاب في الأسابيع المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي