صناعة السيارات الكهربائية .. منافسة شرسة
تغييرات جذرية تعصف بعالم اليوم، وقد يعزو كثير من القراء الكرام ذلك إلى الصراعات والحروب والمعارك الطاحنة التي تدور في فلكنا، وعلى الخصوص في الشرق الأوسط.
لا شك أن الشرق الأوسط (وهذا مصطلح فضفاض، رغم أن جغرافيته صارت معروفة تقريبا للكل) على كف عفريت، لكن لا أظن أن لهذه المنطقة ذاك التأثير الذي يغير الدنيا من حال إلى حال.
الأموال الكثيرة وكثرة المشكلات لن تغير العالم. ما يغير العالم هو الاقتصاد والإنتاج.
ولهذا لم أستغرب أبدا أن ترى الولايات المتحدة ومعها الدول الغربية الرأسمالية أن الخطر الوجودي عليها هو في سيارة تنتجها الصين حاليا، التي صارت تقض المضاجع ومعها صناعات صينية أخرى متينة ومتطورة أكثر بكثير مما لديهم. رغم ذلك، فإن الصين تنتجها بوفرة وتعرضها بسعر لا يمكن للدول الرأسمالية هذه منافستها.
نعم، هكذا تنظر الولايات المتحدة للسيارة الكهربائية الصينية. صناعة السيارات في أمريكا تشكل أكثر من 3 % من الناتج المحلي الإجمالي، وتقدر إيرادات المبيعات هذا العام بنحو 550 بليون دولار.
لماذا هذا الخوف الوجودي من سيارة صينية من النادر أن تجدها على الطرقات في الولايات المتحدة التي تفرض على استيرادها تعريفة جمركية تبلغ 27.5 %؟ ولماذا كانت السيارة الصينية محور مناقاشات مستفيضة ظاهرها تعزيز العلاقات وباطنها تهديدات بفرض تعريفات أقسى في الزيارة المحورية التي قامت بها للصين أخيرا وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين؟
ليست الولايات المتحدة التي ترى في السيارة الصينية تهديدا وجوديا، أوروبا الغربية تشاركها الموقف.
هناك حالتان أو ظاهرتان اقتصاديتان تخشاهما الولايات المتحدة وستعمل هي وحليفاتها المستحيل – هذا إن كان في إمكانهم – عدم تكرارهما في دولة هي من أشد منافسيها على قيادة العالم ألا وهي الصين.
الأولى وقعت في العقود بين 1950 و1990 التي فيها شهد العالم المعجزة الاقتصادية اليابانية التي حولت البلد إلى قوة اقتصادية عالمية بفضل صادراته من السيارات والإلكترونيات والبضائع المصنعة الأخرى الرخيصة وذات الجودة العالية، وهذا ربما حال الصين اليوم وبشكل أفضل وأقوى.
الحالة الثانية تتعلق بالعقد الأول من القرن الـ21، أي بعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، ما فتح أمامها أبواب التصدير إلى الأسواق الثرية في شمال أمريكا والدول الأوروبية الغربية وإغراقها بالبضائع الصينية إلى درجة أصبحت مدمنة على استهلاكها.
في زيارة جانيت يلين إلى الصين، قد تكون عبارة China shock أو الصدمة الصينية، من أكثر العبارات تكرارا في خطابها، في إشارة منها إلى العقد الذي مكنت فيه الصادرات الصينية ليس من تثبيت أقدامها في الأسواق الأمريكية والغربية بل رج الاقتصاد العالمي منذ حينه وإلى يومنا هذا.
وفي أكثر من حديث مع الصحافة الأمريكية – ولا علم لي إن كانت قد أكدت ذلك في مباحثاتها مع المسؤولين الصينيين الذين التقتهم – كررت الوزيرة الأمريكية أن بلدها لن يسمح بـ another China shock أي صدمة صينية أخرى.
ربما لم تكن لزيارة مثل التي قامت بها وزيرة الخزانة الأمريكية للصين من أهمية في القرن الـ21، هذا حسب رأيي المتواضع. نحن أمام صدمة اقتصادية سترج العالم رجا، والولايات المتحدة في مقدمة الدول التي ستتحسس هذا الزلزال أكثر من غيرها.
لا تستطيع الولايات المتحدة هضم أن عملاق صناعة السيارات الكهربائية الصيني BYD في إمكانه التفوق على عملاق الصناعات الكهربائية الأمريكي Tesla ليس في حجم التصدير بل في جودة المنتوج أيضا.
هذه منافسة أو بالأحرى مباراة – لم يتخللها العنف حتى الآن – هي من أقسى النزالات الاقتصادية التي شهدها العام وأكثرها متعة وتسلية، تمنح صحافيا مثلي فسحة للاستمرار في كتابة مقالات ليس لأسابيع بل أشهر وسنين، وتأمين دخل مستمر.
ودعني أختم مقال الأسبوع هذا بسرد واقعة مكنت صديقا لي في إنجلترا من الاحتفاظ بنحو 600 دولار في محفظته عند التجائه إلى بضاعة صينية بدلا من بضاعة ألمانية.
كان على الصديق تبديل إطارات سيارته الألمانية، وطلب فرع الشركة الألمانية نحو ألف دولار ثمنا للإطارات الأربعة الألمانية الصنع. وعند تململه، نصحه وكيل الشركة بشراء إطارات صينية التي لن تكلفه أكثر من 400 دولار وتوزاي مثيلاتها الألمانية في الجودة، وإنه هو نفسه يستخدمها منذ زمن ومرتاح لها كثيرا.
البسمة لا تفارق شفاه صديقي الإنكليزي إلى اليوم، وفي داخله يقول "شكرا للصين".