200 مليار دولار لا تكفي نشاط الدمج والاستحواذ في سوق النفط الأمريكية

 

 لم تندمج شركات إنتاج النفط والغاز بالولايات المتحدة ولم تتركز أعدادها بدرجة كافية تقريبا حتى بعد موجة عقد الصفقات القياسية التي بلغت قيمتها 200 مليار دولار في العام الماضي. فعلى أساس عدد البراميل، يعج القطاع بأعداد كبيرة وزائدة من الشركات ومن الرؤساء التنفيذيين، وكثرة بالغة من منصات الحفر التي تسعى إلى جذب كمية محدودة من رؤوس الأموال المتاحة. حل هذه المسألة بسيط، ويتمثل في زيادة عمليات الاندماج والاستحواذ.
إن حجم هذا القطاع اليوم أصغر كثيرا مما كان من قبل، وهذا أمر بديهي. وإذا كنت ممن يحضرون مؤتمرات الصناعة، حيث لا يزال الناس يتبادلون بطاقات التعريف، بدلا من بيانات الآيفون، وتحتفظ بسجل الاتصالات والعناوين (الرولودكس)، فما عليك سوى تصفحه لترى كم تغير منذ الجائحة.
فعلت ذلك منذ أسابيع قليلة عندما كنت أجهز اجتماعا قبيل انعقاد مؤتمر للقطاع في هوستن. والنتيجة أنني كنت أغوص في أعماق الذاكرة لاسترجاع ما مضى منذ فترة طويلة، فكانت شركة "أناداركو بتروليم" أولى الشركات التي اختفت وتلاشت، ثم "وايتينغ بتروليم" التي اندمجت وأعيد تسميتها، أما "إنديفور إنيرجي ريسورسيس" فعلى وشك الاختفاء، و"سيراميكس إنيرجي" اندمجت بأخرى، ثم "كونشو ريسورسيس" التي اختفت منذ فترة طويلة، و"إنكانا كورب" التي أُعيد تسميتها. وتستمر القائمة.
ومع ذلك، إذا اعتمدنا سجلاتي البالية مرجعاً، نجد أن فرصة كبيرة لم تزل قائمة لعقد عمليات اندماج جديدة، وأن قليلاً من الناس من خارج هذا القطاع يعرفون أن هناك كثرة من شركات التنقيب والإنتاج المستقلة في الولايات المتحدة. والقطاع الذي يجب التركيز عليه هو الشركات المدرجة في البورصة التي تقل قيمتها السوقية عن 25 مليار دولار، وتزيد عن المليار دولار.
شركات مرشحة لإبرام الصفقات
بدون ترتيب محدد، وأنا أقلب في دفتر البطاقات، أجد القائمة تشمل شركات مثل "إي كي تي كورب"، و"كوتيرا إنيرجي"، و"ماراثون أويل كورب"، و"أوفينتيف"، و"برميان ريسورسيس"، و"ماتادور ريسورسيس"، و"إيه بي إيه كورب" و"سيفيتاس ريسورسيس".
هذه الأسماء ليست أسماء عائلات وأسر، ولكنها جميعا مرشحة لصفقات الاندماج بالنسبة للمصرفيين والمحامين المتخصصين في هذه الصفقات، والذين أتوجه إليهم بالخطاب. ويصعب علي أن أصدق أن بعض هذه الأسماء السابقة، مع نهاية هذا العام، لن تقوم بشراء شركة أخرى أو تستحوذ عليها هي شركة أخرى.
ليس الأكبر حجما هو الأفضل أداء في جميع الأحوال، غير أن المستثمرين عموما في وول ستريت يتجاهلون إلى درجة كبيرة أسهم شركات النفط التي تنخفض قيمتها السوقية عن 25 مليار دولار، لذلك يجب على مجالس الإدارة بالضرورة إعطاء الأولوية للحجم.
قد تحقق بعض الشركات نموا في ربحية السهم من خلال إعادة شراء أسهمها. ولكن لا تتوفر لجميع الشركات هذه الرفاهية. وهذا هو سبب الحاجة إلى عمليات الدمج والاستحواذ، وهي آتية بالفعل. فمنذ بداية هذا العام، أعلنت شركات النفط والغاز في أمريكا الشمالية فعلا عن صفقات بقيمة 50 مليار دولار تقريبا. وإذا استمرت بهذه الوتيرة مدار العام، فإن تلك الصفقات ستقترب من مستوى أدائها القياسي لعام 2023.

إما أن تندمج أو يأكلها الكبار 

في معظم الحالات، تندمج شركات التنقيب والإنتاج الصغيرة والمتوسطة فيما بينها، أو أنها تصبح فريسة للشركات الأكبر- وإذا صدقنا الأحاديث الدائرة بين المصرفيين والمحامين، فإن شركات "كونوكو فيليبس" و"ديفون إنيرجي كورب" و"إي أو جي ريسورسيس" يحتمل أن تستحوذ على تلك الشركات في 2024.
حتى الآن، سارت عملية الاندماج في القطاع في اتجاهين كبيرين. يتمثل الاتجاه الأول في قيام الشركات الكبرى التي تدير أعمالا في مختلف أنحاء البلاد بشراء الشركات الأصغر حجما، كما تفعل شركة "أوكسيدينتال بتروليم كورب" منذ 2019. أما الاتجاه الثاني، فينطوي على قيام شركات التنقيب والإنتاج الأصغر حجما بشراء أقرانها أو الاندماج معها في نفس المنطقة التي تعمل فيها، فينشأ عن ذلك شركات كبيرة تركز على حوض واحد - انظر إلى صفقات شركة "دايموندباك إنيرجي" التي دمجت الأنشطة في حوض برميان في تكساس ونيو مكسيكو، وكذلك صفقات "كورد إنيرجي كورب"، التي أصبحت الآن شركة كبرى في حوض باكن في ولاية نورث داكوتا.
ربما نشهد صفقات في أحواض نفط متعددة خلال العام الحالي وعام 2025. فالشركات التي تمتلك محافظ استثمار تتسم بالتنوع الجغرافي تواجه عادة صعوبة في الترويج لرؤيتها، لكن مجموعة شركات التنقيب والإنتاج المستقلة قد تحتاج إلى تحويل الضرورة إلى ميزة. إذ إن الشركات قد تواجه صعوبة في النمو بدون عقد صفقات عبر أحواض نفط متعددة، مع بلوغ بعضها حدود الإنتاج والتنقيب في مناطق عملها الحالية.
وبقدر ما يحبذ المستثمرون نموذج التخصص والتركيز على منطقة عمل واحدة، بقدر ما توجد مزايا في عدم وضع كل البيض في سلة واحدة.

عقبتان كبيرتان: السياسة والأسعار 

أما أكبر عقبتين تواجهان مرحلة الاندماج والتركز التالية، فهما السياسة والأسعار. بالنسبة للسياسة، تقوم لجنة التجارة الفيدرالية بالولايات المتحدة حاليا بفحص وتدقيق آخر جولة من صفقات الاندماج والاستحواذ في قطاع النفط، ويدعو الديمقراطيون في واشنطن إلى إجراء تحقيقات تتعلق بمكافحة الاحتكار.
وكتب مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ في خطاب قدموه في نوفمبر إلى لينا خان، رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية: "إن هذه الصفقات ربما تضر المنافسة، وتهدد بزيادة الأسعار على المستهلك، وخفض الإنتاج في مختلف أرجاء الولايات المتحدة".
هذه الدعوات قد تتعالى أكثر مع اقتراب موعد الانتخابات على الرغم من كونها مضللة. وفي نهاية المطاف، لا يرجح أن تمنع لجنة التجارة الفيدرالية انعقاد تلك الصفقات، غير أنها قد تؤخر إبرامها من خلال طلب مزيد من الوثائق.
وهكذا، فإن العقبة الأولى على الأرجح ستؤخر انعقاد الصفقات ولن تمنعها، أما الثانية فقد يتبين أنها عقبة كأداء.
استطاع القطاع أن يتركز ويندمج على مدى العقد الماضي، جزئيا بفضل اعتدال أسعار النفط، باستثناء فترة 2021-2022 التي شهدت ارتفاعا في الأسعار مع غزو روسيا لأوكرانيا.
فعندما تستقر أسعار النفط عند مستوى منخفض، يضيق الفرق بين العرض والطلب بين بائعي الشركات والمشترين. والعكس صحيح عندما ترتفع الأسعار.
وإذا اندفعت الأسعار إلى مستوى 100 دولار للبرميل، ستواجه صفقات الاندماج والاستحواذ مزيدا من التعقيدات. ولذلك، ستشهد سوق النفط الأمريكية مزيدا من صفقات الاستحواذ والاندماج في عام 2024، غير أن اقتراب هذا النشاط من مستوى العام الماضي قد يعتمد على قوى ومؤثرات تخرج عن سيطرتها.

خاص بـ " بلومبرغ "            

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي