Author

مشكلة هدر المياه والآثار الاقتصادية المحتملة

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى

نشرت وزارة البيئة والمياه والزراعة على موقعها في منصة (أكس) خبرا جيدا عن ارتفاع مخزون المياه في السدود إلى 829 مليون متر مكعب، حتى يوم 25 رمضان الجاري، وهو الأعلى منذ بدء قياس المخزون 2010م أي قبل 14 عاما، وهذا بفضل الله ثم الحالة المطرية الربيعية التي أثرت في معظم مناطق السعودية ولمدة عشرة أيام متواصلة خلال الفترة من 17 رمضان حتى 26 رمضان 1445، مع جريان للسيول في عديد من أودية المناطق الغربية والجنوبية الغربية والعاصمة الرياض. ونقلت منصات إخبارية أن متوسط هطول الأمطار في مناطق السعودية المختلفة في 2023 سجل مستوى قياسيا بلغ نحو 106 مليمترات، بزيادة كبيرة عن أعلى المتوسط الذي رصد خلال 2022 وبلغ نحو 91 مليمترا، وكذلك أعلى من المعدل الذي رصد خلال الفترة من 1991 حتى 2022 وبلغ 87.5 مليمتر، وفقا للتقرير الإحصائي للوزارة الصادر 2022.
 هذه الأخبار المفرحة لم تأخذ حقها من التغطية الإعلامية ولا من النقاش المجتمعي، ولا في المقالات ذات الصلة، وأعتقد أن هذا في غاية الأهمية، فلا شك أن تحسن الحالة المطرية في السعودية وارتفاع كمية الأمطار عن المعدل الذي رصد خلال 40 عاما، يقدم أدلة على تغيرات مناخية قد تكون مستمرة بإذن الله، خاصة أن هناك أنباء عن تحول مناطق جنوب السعودية إلى مناخ استوائي كما يشير البعض، لكن في ظل هذه الظروف وهذه الأنباء فإنه تجدر الإشارة إلى أن الطلب المحلي من المياه حاليا يبلغ 5178.73 مليون متر مكعب، بينما عدد السدود المنفذة حاليا يبلغ 559، بطاقة استيعابية تبلغ 2426 مليون متر مكعب، لكن المخزون الحالي من المياه في هذه السدود الذي يعد كمية قياسية لم تسجل من قبل بلغ فقط 829 مليون متر مكعب، وبذلك فهي لن توفر لنا أكثر من 16 % من الطلب على المياه في العام الواحد وهي بذلك تعد كمية ضئيلة. من الجدير بالذكر هنا أن معدل الاستهلاك المحلي يبلغ 299 لترا في اليوم للفرد، لكن هذا ليس على إطلاقه، فالتفاوت كبير بين المناطق، حيث يشير التقرير الإحصائي للوزارة إلى أن معدل الاستهلاك للفرد في القطاع الأوسط يبلغ 352.7 لتر في اليوم للفرد، بينما يبلغ 143.2 في نجران، هنا تبرز الحاجة إلى مزيد من الجهود لترشيد استهلاك المياه في السعودية، ففي الحالة الراهنة للاستهلاك وبافتراض أن معدلات الأمطار تتصاعد من عام إلى عام وتم فعليا ملء كل السدود في السعودية فإن ذلك لن يغطي النصف من استهلاكنا السنوي للمياه، فكما تشير التقارير إلى أن السعة القصوى للسدود في حدود 2.426 مليون متر مكعب، بينما استهلاكنا تجاوز 5.178 مليون متر مكعب، فهذا يعني أنه لو تحولت السعودية إلى المناخ الاستوائي فلن يقدم لنا هذا حلا جذريا لمشكلة المياه، طالما نحن نقوم بكل هذا الهدر، ولك أن تتخيل 352 لترا في اليوم للفرد الواحد، فهي كمية ضخمة تتطلب جهودا كبيرة من أجل معالجة الهدر.
لن أتحدث عن أهمية المياه للحياة، لكن من الناحية الاقتصادية يعد رأس المال البيئي ضرورة للاستدامة الاقتصادية ومواصلة النمو، والمياه تعد الركن الأساس في رأس المال البيئي، ونحن بهذا الهدر نحد من قدرتنا الإنتاجية مهما كانت قوة رؤوس الأموال الأخرى، فلن نتجاوز حدود قدرة رأسمالنا البيئي مهما بلغت قدراتنا الإنتاجية ومهما تحسنت رؤوس الأموال الأخرى. بل على العكس تماما، فالنمو غير المتوازن بين رؤوس الأموال هذه ربما يوجد أزمة كبيرة في المستقبل، فلو نما رأس المال المادي مثلا، لتحسنت معه القوى البشرية، والفكرية والابتكارات، لكن مع تباطؤ نمو رأس المال البيئي (خاصة المياه)، فإن عوامل ضغط سلبية على المدن ستتراكم حتى تصبح غير صالحة للحياة الإنتاجية الصحية، وبما يقود إلى تدهور رأس المال البشري، بزيادة معدلات الوفاة وقلة الإنجاب، مع زيادة نسب التخلف عن المدارس بسبب الأمراض وزيادة معدلات الغياب عن العمل، لذلك لا بد من معالجة مشكلات رأس المال البيئي بالتزامن مع النمو في كافة أنواع رأس المال الأخرى.

إنشرها