هل سنشهد اصطدام أكبر اقتصادين في العالم؟
لا أظن أن هناك فردا في عالم اليوم، الذي يقطنه أكثر من ثمانية بلايين إنسان، إلا وقد اقتنى شيئا من الصين. ولا أظن هناك أمرئ في الدنيا اليوم إلا وتأثر بالولايات المتحدة وصناعاتها الخارقة وقوتها العسكرية التي لا تضاهى وقوتها الناعمة التي ربما لم تبق زاوية في كوكبنا إلا واقتحمتها. عالمنا اليوم واقع بين أنياب تنينين لا ثالث لهما: الأول هو الصين والثاني الولايات المتحدة.
العملاقان يحتكران نحو 40 %من مجمل الاقتصاد في العالم، وفي مضامير محددة لهما قصب السبق واحتكار قد يصل إلى 90 % من النشاط الاقتصادي العالمي خصوصا في الحلقات الأكثر تطورا وتقنية المتعلقة بالتكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي.
ولن ألج في إيراد أرقام تظهر كيف أن البلدين صارا عملاقين ربما لم يشهد التاريخ لسطوتهما مثيلا من حيث التمكن من ناصية العلم والمعرفة والصناعة والتكنولوجيا وتكديس المال وتعبئة قوة عسكرية مهولة.
الأرقام متكدسة في الشبكة العنكبوتية وهي من الضخامة في مكان. في أمريكا، هناك ست شركات حديثة العهد يعبر سقف قيمتها السوقية التريليون دولار. في الصين، هناك شركة واحدة من هذا القبيل، أي تعبر قيمتها السوقية تريليون دولار، ولكن هناك العشرات ومن الشركات العملاقة تساوي قيمتها مئات البلايين من الدولارات وإن أخذنا النمو الإعجازي للصين في الحسبان، فإننا قد نرى عديدا من الشركات التي ستصل عتبة التريليون دولار.
وكي نقرب هذه الأرقام الى ذهن القارئ، نشرح أكثر ونقول إن القيمة السوقية للشركات الست الأمريكية وحدها تفوق القيمة السوقية بأضعاف المرات لبلدان متطورة صناعيا وتكنولوجيا وزراعيا مثل ألمانيا وإنكلترا وفرنسا وغيرها.
وإن أخذنا قيمة الإنتاج المحلي الإجمالي في الحسبان، البون بين الولايات المتحدة والصين شاسع، حيث تبلغ قيمته في الأولى أكثر من 27 تريليون دولار بينما في الثانية يصل الى 18 تريليون دولار.
الصين هي الدولة الوحيدة في العالم التي تبلغ قيمة إنتاجها المحلي نحو 67 % من مثيله الأمريكي، وإن أخذنا النمو في الصين ومحاولات الصين التمويه على القيمة الحقيقية لاقتصادها أو عملتها قد نفهم لماذا الخشية من هذا التنين.
ولهذا، فإن الصين لوحدها فقط دون دول العالم الأخرى في إمكانها السباحة في بركة كانت الى وقت قصير حكرا على قرش واحد وهو الولايات المتحدة. بمعنى أخر، كانت الولايات المتحدة سمك القرش الوحيد في البركة وما حوله سمك صغير في إمكانها التهامه متى ما يحلو له.
البركة يسبح فيها قرشان الآن سوية، رغم اختلاف الحجم، ولكنهما ندان قويان وعنيفان. إن وقعت الواقعة بينهما تعكرت البركة على الكل إلى درجة قد تؤدي الى تسميم المياه وموت الأسماك الصغيرة.
والواقعة وما أدراك ما الواقعة التي ما هي إلا المنافسة على السيطرة على البركة والسمك الذي فيها، لا يظن امرؤ أن في إمكان قرشين التعايش بسلام في بركة مليئة بالسمك الصغير.
والصراع بين الاثنين لم يعد مخفيا، إنهما يضمران الواحد للآخر. الولايات المتحدة تخشى تركيز الصناعات المحورية في الصين وأخذت تستثمر دون هوادة في الصناعات المستقبلية كي يكون لها قصب السبق خصوصا في الذكاء الاصطناعي وكيفية تطويعه لصناعة السلاح.
الصين تفرض سياسات جلها ترمي لتعزيز مكانتها في الاقتصاد العالمي وهي ترتقي السلم بسرعة للوصول إلى القمة التي تتربع عليها الولايات المتحدة. وفي هذا هي بحاجة ماسة إلى الغرب بقيادة الولايات المتحدة لتركيز الصناعة فيها وجلب الحلقات الأكثر تطورا وتقنية إليها.
وبرزت على السطح عقدة وجودية بالنسبة إلى التنينين أو القرشين. صارت الصين في العقود الأربعة الماضية، وهي في حالة نمو اقتصادي غير مسبوق يعود الفضل فيه إلى الاستثمار غير المسبوق للشركات الغربية فيها، صارت منجما يدر ذهبا لأمريكا وشركاتها.
ونمو الصين قائم على التصدير وصارت الأسواق الغربية خصوصا الأمريكية منها منجما للذهب بالنسبة إليها. وتشابك الاقتصادان العملاقان ما جعل أي عملية للفصل بينهما بمنزلة الانتحار للاثنين. ولكن البركة أضيق مما يمكن لقرشين الاستمرار في السباحة فيها سويا، لا سيما عندما يرى أحدهما أن الآخر ينمو ويزداد منعة وقوة على حسابه.