تحولات عميقة في الاقتصاد العالمي

تسجل قيمة الاقتصاد الرقمي في 47 دولة ارتفاعا لتصل إلى 38 تريليون دولار في 2021 وأصبح التحول الرقمي عنصرا أساسا في تحقيق التنافسية والنمو المستدام، إضافة إلى أهميته لبقاء الشركات في الأسواق، لذلك تضع الشركات الناجحة استراتيجياتها الرقمية في قلب عملياتها، حيث لم يعد التحول الرقمي مجرد خيار، وإنما قرار استراتيجي مهم للاندماج في الاقتصاد الجديد. تسعى الدول الناجحة اقتصاديا بشكل حثيث لإعادة هياكلها الاقتصادية والتحول من المحركات القديمة إلى الجديدة، بسبب تأثير التحول الرقمي المذهل على إنتاجية الشركات والكيانات الاقتصادية، حيث تحسنت معه كفاءة الإنتاج كما أصبح الاقتصاد الرقمي محرك نمو جديد من خلال المرونة التي يوفرها للاقتصاد وقدرته على النجاة من الصدمات غير المتوقعة والتعافي منها بسرعة. وللتحول الرقمي قدرة على معالجة تحديات تكلفة وكفاءة العمليات، إضافة إلى تمتعه بديناميكية جديدة في الاستجابة للصدمات، نتيجة التحول العميق في النموذج الاقتصادي التقليدي. فالمدن ذات المستويات الأعلى من الرقمنة تتمتع بكفاءة أعلى في النمو الاقتصادي، حيث يعود ذلك إلى أن جوهر الاقتصاد الرقمي هو إعادة تشكيل نماذج الأعمال في الشركات والمدن، وبالتالي فإن تطبيق تقنيات رقمية مثل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء سيفتح أمام هذه المدن مسارات اقتصادية ليس للنمو فحسب، بل لتحقيق نمو مرن يعتمد على خصائص التحول العميق في الاقتصاد الجديد. يجلب الاقتصاد الرقمي معه اتجاهات نمو مبتكرة تساعد الاقتصاديين على صياغة سياسات اقتصادية مستقبلية تمتاز بالمرونة والديناميكية بشكل مزدوج بعكس محركات النمو القديمة بدليل أن الشركات الأكبر حجما تراجعت بسبب أن التحول الرقمي يؤدي إلى تقليل أهمية حصة السوق -على سبيل المثال- انخفاض تكاليف التوزيع والتسويق للشركات ذات الحصص السوقية الأصغر بسبب التسويق الرقمي وتوفر الخدمات المشتركة منخفضة التكلفة من خلال الاشتراكات أو الرسوم المنخفضة عبر طرف ثالث كمزود خدمة، وهذا ما يفسر الأرباح الهائلة التي تحققها شركات ناشئة صغيرة بتكاليف منخفضة، أي أن وفورات الحجم لدى الشركات الأكبر حجما تغيرت عن السابق، التي كان يسيطر عليها قادة السوق الكبار. أخيرا، قواعد اللعبة مستمرة في تغيرها العميق على مستوى الوصول للأسواق وشفافية الأسعار وانخفاض التكاليف وتلاشي سلطة قادة السوق وتقسم الأسواق وتراجع قدراتهم على استغلال العملاء. ووفق المعطيات ستتناقص ساعات العمل وستعتمد بنوك العالم المركزية عملة أو عملات رقمية مشتركة التي تعني قواعد نقدية جديدة. كما ستعتمد الوظائف الجديدة على مهارات عليا في التفكير عوض الجسدية أو المهارات الأولية وفجوة الثروات سترتبط بفجوة المعلومات. وجميع ذلك نتيجة حتمية للتطور البشري في اقتصاد المعرفة والتقنية لتحقيق النمو وتسريعه ولا سيما مع ظهور بوادر نشوء تكتلات اقتصادية تعمل وفق أنظمة متباينة، والاقتصاديات التي تتماشى مع تحولات الاقتصاد الجديد ستفوز في نهاية المطاف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي