«فكرة الدرعية» .. مثال حي على أن الأفكار العظيمة لا تموت

«فكرة الدرعية» .. مثال حي على أن الأفكار العظيمة لا تموت
«فكرة الدرعية» .. مثال حي على أن الأفكار العظيمة لا تموت
د. سليمان العطني
في الـ22 من فبراير من عام 1727، ومن البلدة النجدية الوادعة على ضفاف وداي حنيفة، قدحت شرارة "الفكرة الحلم" في ذهن الإمام محمد بن سعود، فكرة بناء أمة موحدة تحت مفهوم دولة تجمع الشتات وتحقق الرخاء، ومنذ تلك اللحظة بدأ رحلة تحقيق الحلم.. تعثرت نعم عدة مرات لكنها كانت النموذج الأمثل لمقولة إن "الأفكار العظيمة لا تموت". أصبحت الدرعية قلب الصحراء النابض بالعلوم والثقافة مهد دولة ممتدة لـ300 عام، وأثبتت الفكرة جدواها، فعلى الرغم من تعثر المشروع عام 1818 على يد الغزاة، إلا أن الحلم لم ينته، فبعد ستة أعوام فقط عاد حفيد الإمام المؤسس، الإمام تركي بن عبدالله ليؤسس الدولة السعودية الثانية. الأمر تكرر عندما استعاد حفيد الإمام محمد بن سعود الرابع، الملك عبدالعزيز موحد السعودية "فكرة" أجداده وأمته، فكرة دولة مستقرة ومزدهرة تحققت على يد المؤسسين ورجالهم بدمائهم وتضحياتهم، حتى أضحت عقيدة راسخة تتناقلها الأجيال لأكثر من ثلاثة قرون، ومثالا حيا على أن الإصرار على تحقيق الأحلام يجعلها حقيقة. يقول لـ"الاقتصادية" الدكتور سليمان العطني أستاذ التاريخ السعودي المشارك في جامعة القصيم، "إن الدرعية ازدهرت ونما اقتصادها وتطورت كثيرا بعد تولي الإمام محمد بن سعود إمارتها عام 1139هـ 1727م، حيث كان له قصد وغاية في جمع البلدات النجدية وتطوير قدراتها، فاهتم بالدرعية ونظم موارد الدولة واستطاع أن يجعل منها المدينة النموذج للبقية، حتى استطاع أن يوحد البلاد جميعا تحت طاعته". وسرد الباحث المتخصص في التاريخ السعودي قصة الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، قائلا "تقع الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى في إقليم اليمامة، الذي يحتل مساحة كبيرة من الجزيرة العربية، وتشمل اليمامة عددا من الأقاليم أشهرها: العارض والوشم وسدير والفرع والأفلاج ووادي الدواسر، وتوجد فيها عشرات الأودية التي تخترق سهولها وجبالها، كما أن فيها عددا من العيون الشهيرة، من أشهرها: الخضراء وهيت، وقد كانت اليمامة تسمى الخضراء لخصوبة تربتها وكثرة أشجارها، كما يعد وادي حنيفة من أهم أودية الجزيرة العربية فهو يحتل موقعا استراتيجيا في إقليم اليمامة، ويمثل هذا الوادي منطقة جذب الاستقرار البشري ومحطة مهمة وسط الجزيرة لقوافل الحج والتجارة على مختلف الفترات التاريخية". وأشار إلى وصف الأصمعي لضفاف وادي العرض الاسم القديم لوادي حنيفة "أخصب بذلك العرض، وأخصبت أعراض المدينة، وهي قراها التي في أوديتها"، مضيفا: وفيها يقول ابن خلدون "إن طسما وجديسا كانوا من ساكني اليمامة"، وهي إذ ذاك من أخصب البلاد وأعمرها وأكثرها خيرا وثمارا وحدائق وقصورا. وذكر الدكتور العطني أن أول من قدم من بني حنيفة إلى اليمامة عبيد بن ثعلبة مرتحلا بأهله وماله من الحجاز حتى نزل موضعا يقال له قارات بالقرب من حجر الرياض، فأسس بنو حنيفة عددا من مراكز الاستقرار التي امتدت على ضفاف وادي العرض، الذي أصبح يسمى وادي حنيفة فتحولت اليمامة إلى إقليم تحت نفوذهم، وعندما ظهر الإسلام كان ملك اليمامة هو ثمامة بن أثال الحنفي صاحب القصة الشهيرة مع النبي - صلى الله عليه وسلم، وهذا يبين مدى الاستقرار والقوة التي كانوا عليها. واستدرك قائلا "لقد عاش هذا الإقليم خلال العصرين الأموي والعباسي طي النسيان لما يزيد على ألف عام، تأسست فيه الدولة الأخيضرية واتخذت من الخضرمة في الخرج عاصمة لها، ما أثر في مدينة حجر التي كانت مدينة كبيرة شبيهة بالكوفة والبصرة من حيث الحجم والتخطيط، حيث سيطر الأخيضرون على المنطقة، ونتيجة لسياستهم القاسية إضافة إلى القحط الذي أصاب المنطقة هاجر كثير من السكان منها على أمل الرجوع بعد تحسن الأوضاع". وأشار الدكتور العطني إلى أنه مع عودة الاستقرار إلى المنطقة عاد مانع بن ربيعة المريدي وعشيرته من شرق الجزيرة العربية عام 850هـ 1446م إلى ابن عمهم ابن درع، الذي أقطعهم موضعي غصيبة والمليبيد اللذين يقعان شمال غرب الحجر، فجعل مانع من غصيبة مقرا لحكمه وبنى عليها سورا، وجعل المليبيد مقرا للزراعة. وأضاف "وحين نتأمل الموقع الجغرافي لمدينة الدرعية يتضح لنا أنه موقع استراتيجي لعاصمة دولة كبرى، ومن هذه المقومات التي يمتلكها الموقع أنه على واحد من أهم الأودية في نجد، وهو وادي حنيفة، إضافة إلى أنها تقع على أحد أهم الطرق التجارية القديمة، ذلك الطريق الذي تعد الدرعية في وسطه، الذي يأتي من جنوب شبه الجزيرة العربية مرورا بنجران، ثم يتجه شمالا إلى اليمامة، ثم الدرعية ثم يتجه شمالا نحو دومة الجندل وشمالا نحو العراق، والغرب نحو الحجاز، ويعد هذا الطريق هو طريق الحجاج القادمين من فارس والعراق ووسط آسيا، الذين كانوا يواصلون سيرهم عبر الدرعية إلى مكة المكرمة، وازدادت أهمية هذا الطريق بعد تأسيس الدرعية على يد مانع المريدي، الذي سعى هو وأولاده وأحفاده إلى تأمينه وخدمته".

الأكثر قراءة