Author

من أين يتغذى التضخم محليا؟ وكيف يعالج؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

يظل الارتفاع المسجل لمعدل التضخم محليا محدودا عند مستواه 1.6 % بنهاية يناير 2024، مقارنة بالمعدل الطبيعي للاقتصادات والمستهدف من أغلب البنوك المركزية البالغ 2.0 %، إلا أنه من الأهمية بمكان البحث في أبرز العوامل التي أسهمت في الارتفاع، وتزداد أهمية البحث في المدن التي سجلت معدلات تضخم أعلى من المتوسط العام للتضخم وأعلى من بقية المدن الأخرى، كمدينة بريدة التي سجلت معدل تضخم وصل إلى 8.9 %، وفي مدينة أبها التي سجلت تضخما بلغ 4.8 في المائة، وأخيرا مدينة الرياض بمعدل تضخم بلغ 2.5 %.
أظهر البحث في أبرز العوامل التي دفعت بالتضخم نحو الصعود طوال العامين الماضيين، أن "الإيجار المدفوع للسكن" كان العامل الأول والأكبر وراء التضخم، وبرز تأثيره من وزنه النسبي الكبير في معادلة حساب التضخم البالغ 21 %، وكانت أول ارتفاعاته قد بدأت في مدينة الرياض بنهاية أكتوبر 2021 واستمرت حتى الشهر الماضي بوصوله إلى ارتفاع سنوي بلغ 16 %، ثم بدأ في مدينة جدة في يوليو 2022 إلى أن وصل إلى ذروته في أبريل 2023 حينما بلغ 28.2 في المائة، اقترن بوصول التضخم في المدينة إلى 6.6 خلال الشهر نفسه، ثم لحقت بالمدينتين أعلاه مدينة أبها في مارس 2023 واستمر حتى الشهر الماضي بوصول ارتفاع إيجارات المسكن إلى 13.3 %، وفي مايو 2023 انضمت مدينة بريدة واستمر الارتفاع في إيجاراتها حتى نهاية الشهر الماضي بمعدل سنوي بلغ 39.9 %، ثم بدأ في مدينة الدمام في يونيو 2023 واستمر إلى أن وصل ارتفاعه إلى 10.7 % بنهاية الشهر الماضي.
تم الحديث عديدا من المرات حول ضرورة إقرار تنظيم لسوق الإيجارات محليا، بما يكفل استقرارا لهذه السوق العملاقة في الاقتصاد الوطني، والتأكيد أيضا على أن نجاح ذلك التنظيم المنشود مرتبط بدرجة رئيسة بتضافر جهود كبح التضخم الأقدم في سوق الإسكان، الذي تأثر منذ 2019 بزيادة تدفقات الائتمان العقاري على جانب الطلب بمعدلات قياسية غير مسبوقة، وصل حجمه خلال 2019-2023 إلى أكثر من 600 مليار ريال، مقابل محدودية أثر أغلب الأدوات المحفزة لزيادة العرض بما يوائم الطلب المتنامي، ما أدى في محصلته النهائية إلى تضاعف الأسعار بمعدلات متسارعة، وأدى في مراحل زمنية تالية إلى ارتفاع إيجارات المساكن كنتيجة طبيعية للمتغيرات التي طرأت على سوق الإسكان، ومن ثم انعكست الارتفاعات في مجموعها سواء للأسعار أو الإيجارات على معدل التضخم بالارتفاع بصورته الراهنة، وهي الحال التي تشابه حال الارتفاع في الأسعار والإيجارات خلال الفترة 2007-2009، التي أعقبت التصحيح الكبير لسوق الأسهم في 2006، ونتج عنها تحول تدفقات رؤوس الأموال إلى سوق العقار، ما أدى لارتفاع الإيجارات بمعدلات وصلت إلى نحو 24 % مع منتصف 2008.
كل هذا يؤكد أهمية تكامل السياسات والبرامج، وتضافر الجهود من مختلف الأجهزة المعنية في اتجاه واحد يعزز الاستقرار المالي والاقتصادي، والعمل أيضا على معالجة أي تعارض قد ينشأ بين تلك السياسات، ما قد ينعكس بأي آثار عكسية على النشاط الاقتصاد المحلي، تحديدا القطاعات الإنتاجية على رأسها القطاع الخاص، أو على مستويات المعيشة بالنسبة لأفراد المجتمع، وهي الجوانب التي وفرت لها رؤية المملكة 2030 أفضل الممكنات الممهدة لنجاحها وتحققها بحمد الله، وصولا إلى تحقيق مستهدفاتها الطموحة بمشيئة الله تعالى قبل نهاية عمرها الزمني المحدد.

إنشرها