Author

أسعار النفط بين الدوري والهيكلي

|
مستشار اقتصادي

يمر النفط بحالة غير عادية من عدة زوايا، الأولى أن الطلب الذي عادة يقود السعر في مستوى جيد مقارنة بالعرض الذي يبدو تأثيره أقوى في هذه الموجة، الزاوية الأخرى أن الاستثمارات الرأسمالية تقلصت من عدة أعوام في المجمل، لكن العرض استمر في النمو، الزاوية الأخرى أنه رغم حالة عدم اليقين في العالم حتى الحروب في روسيا والشرق الأوسط إلا أن الأسعار لم تتأثر كثيرا. الرابعة هناك تغير إيجابي في الصورة الذهنية بعد هضم الهجمة الإعلامية على أثر مؤتمرات COP الأخيرة وقبول الشركات والمؤسسات المالية العالمية دورا قويا مستمرا للنفط. لنراجع هذه النقاط بدرجة من التفصيل.
يحقق الطلب نموا جيدا منذ أن استعاد الاقتصاد العالمي عافيته بعد أزمة كوفيد. يقف الطلب اليوم عند نحو 103 ملايين برميل يوميا مقابل إنتاج 103.8 طبقا لوكالة الطاقة الدولية، هناك اختلاف في توقعات نمو الطلب بين الوكالة و"أوبك"، فبينما "أوبك" تتوقع نموا 2.25 لهذا العام و1.85 للعام المقبل تتوقع الوكالة 1.24 لهذا العام بعد رفع توقعاتها 180 ألفا بسبب تحسن الاقتصاد العالمي. ولكن نمو الطلب بينهما في حال استمرار النمو الاقتصادي نحو 80 % من نمو الطلب العالمي جاء من الصين والهند والبرازيل.
المفاجأة ربما جاءت من العرض الذي جاء من أمريكا والبرازيل وقايانا وكندا. أقول مفاجأة لأن الاستثمارات الرأسمالية تقلصت على مدى سنوات لتعاود الارتفاع وتصل إلى 499 مليار دولار في 2022 كأعلى رقم منذ 2014، مع تحسن في التطور التقني في الاستكشاف والإنتاج. فمثلا رغم نقص الاستثمارات لأعوام إلا أن الإنتاج رجع بقوة بعد رفع الاستثمارات في أعوام قليلة. ربما لن يحدث نمو باستثمارات مؤثرة في أغلب دول "الأوبك+" بسبب الضغوط المالية. السعودية والإمارات في مسافة عن الآخرين بسبب فائض السعة الإنتاجية التي خضعت لمراجعة أهداف تتعلق بخليط الإنتاج بين النفط ودرجته والغاز والتوظيف الأمثل للفائض، بعد أن حذرت السعودية من سقف 13 مليون برميل يوميا يتفق المختصون أن العرض والطلب هو ما يحكم السعر في المدى البعيد لكن تاريخيا يصاحب التغير المؤثر في الأسعار الحالة الجيوسياسية كما حدث في 1973 و1979 حتى بعض فترات الثمانينات، ولكن مع الوقت وربما بسبب تغير وتوسع دور "الأوبك+" قل التذبذب. فرغم ما بدأ كأنه أزمة طاقة بعد الحرب الروسية - الأوكرانية إلا أن أسعار الغاز رجعت إلى مستوياتها قبل الأزمة، واستمر التعاون بين دول "الأوبك+". وأخيرا جاءت هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر وبدأ التأثير كأنه محدود في المجمل. الزاوية الرابعة أن ما بدأ كأنه هجوم قوي على الطاقة الأحفورية خاصة بعد مؤتمر باريس إلا أن نشاط دول "الأوبك" وعقلانية طرحها وشبح التضخم العالمي والمنافسة المالية بين أهداف الدول في ظل ارتفاع الديون وأسعار الفائدة وتملل المستهلكين وصعوبة استغلال المعادن عالميا، عوامل مجتمعة أدت إلى تراجع الهجمة، التي ربما كانت متوقعة بسبب المبالغة من البداية، قانون الفعل وردة الفعل المضاد.
أغلب التوقعات تؤكد أن هذه العوامل مجتمعه تشير إلى إعادة تموضع لمعادلة العرض بما يخدم الأسعار مستقبلا مع استمرار الطلب في نمو مقبول، فمثلا معظم التوقعات تشير إلى بداية النهاية في نمو إنتاج النفط الصخري في أمريكا، لذلك تبدو الصورة إيجابية في المدى المتوسط.

إنشرها