مسؤولية مجلس الإدارة عن إعداد القوائم المالية
في نقاش مع مجموعة من المهتمين حول استقلال المراجع الخارجي عن مجلس الإدارة، لا من حيث التعيين ولا من حيث تحديد الأتعاب أو حتى التفاوض حولها، قلت يجب أن يكون المراجع الخارجي مستقلا تماما في هذه المسائل بالذات، وألا يمس استقلاله أي خدش، مهما بلغ، وكما كان يقول أستاذنا الدكتور عبدالرحمن الحميد، رحمه الله، فإن استقلال المراجع الخارجي لا يخدش وإذا خدش قضي عليه. لقد أدهشني في ذلك النقاش أن هناك من يرى أن لمجلس الإدارة حق تعيين المراجع الخارجي، وأن ذلك لا يؤثر في استقلال المراجع، ولم يجد أي مبرر في التشدد نحو هذا الأمر، فقلت إن السبب يعود في جوهره إلى أن مجلس الإدارة هو من يعد القوائم المالية، فكيف لم يعدها أن يعين من يراجعها ويحدد أتعابه، فكانت الإجابة الصاعقة أن مجلس الإدارة لا يعد القوائم المالية وأن من يعدها هو الجهاز التنفيذي.
لم تصعقني الإجابات بقدر ما صعقني الإيمان بها، وقد كنت أظن أن النقاش حول استقلال المراجع الخارجي للحسابات محسوم والجدل حوله مفروغ منه، فإذا بالمسألة أشد وأعمق، وأن هناك ارتباكا واضحا في مدى مسؤوليات مجلس الإدارة عن إعداد القوائم المالية، لذلك جاء هذا المقال. في نظام الشركات السعودي الصادر 1443هـ تنص المادة (121) على أنه يجب على مجلس الإدارة في نهاية كل سنة مالية للشركة أن يعد القوائم المالية للشركة وتقريرًا عن نشاطها ومركزها المالي عن السنة المالية المنقضية، ويضمن هذا التقرير الطريقة المقترحة لتوزيع الأرباح.
ويضع المجلس هذه الوثائق تحت تصرف مراجع الحسابات إن وجد، قبل الموعد المحدد لانعقاد الجمعية العامة العادية السنوية بـ45 يوما على الأقل، كما تنص أيضا على أنه يجب أن يوقع رئيس مجلس إدارة الشركة ورئيسها التنفيذي، ومديرها المالي أن وجد، الوثائق المشار إليها في هذه المادة، وتودع نسخ منها في مركز الشركة الرئيس تحت تصرف المساهمين. هل هناك نض نظامي أشد وضوحا من هذا، وأن مسؤولية إعداد القوائم المالية تقع على مجلس الإدارة، بل تتعدى ذلك إلى ضمان أن هذه الوثائق قد تم تسليمها للمراجع الخارجي موقعة من رئيس مجلس الإدارة. فكيف يقال إن مجلس الإدارة ليس مسؤولا عن إعداد القوائم المالية. ولا تقف مسؤولية مجلس الإدارة عند حد إعداد القوائم المالية بل تذهب المادة (122) من نظام الشركات إلى تحميل رئيس مجلس الإدارة تزويد المساهمين بالقوائم المالية للشركة وتقرير مجلس الإدارة، بعد توقيعها، وتقرير مراجع الحسابات إن وجد، ما لم تنشر في أي من وسائل التقنية الحديثة، فمجلس الإدارة مسؤول تماما عن تقرير مجلس الإدارة ويجب أن يتم التوقيع عليه.
هل هذا يقتصر على الشركات فقط، لا طبعا، فكل مجلس إدارة يعد المسؤول الأول عن إعداد القوائم المالية سواء في القطاع الخاص أو الربحي بشكل عام أو غير الربحي، فقد نصت المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية IFRS، والتفسيرات المعتمدة من قبل مجلس معايير المحاسبة الدولية، على أن يتحمل أعضاء مجلس الإدارة مسؤولية الإعداد والعرض العادل للبيانات المالية الموحدة والمنفصلة، وأن تشمل مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة التصميم والتنفيذ والحفاظ على الضوابط الداخلية ذات الصلة بإعداد وعرض هذه البيانات المالية بطريقة عادلة خالية من الأخطاء الجوهرية، سواء كانت ناتجة عن الاحتيال أو الخطأ، اختيار وتطبيق السياسات المحاسبية المناسبة، وإجراء تقديرات محاسبية معقولة حسب الظروف، كما تشمل مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة أيضا الاحتفاظ بسجلات محاسبية كافية ونظام فعال لإدارة المخاطر.