الرؤساء التنفيذيون .. سوق مواهب أم علاقات؟
إن تعويضات الرؤساء التنفيذيين واختيارهم موضوع يثير جدلا واسعا في الأوساط الاقتصادية والمجتمعية، حيث تميل إلى أن تكون محط فضائح وانتقادات مستمرة. رغم أن تلك التعويضات يمكن أن تكون مبررة في بعض الحالات، إلا أن هناك حاجة ملحة إلى إعادة النظر في النهج الحالي وتحقيق توازن أفضل في اختيار وتعويض الرؤساء التنفيذيين.
يشير عدد من الدراسات والأبحاث إلى أن ارتفاع أجور معظم الرؤساء التنفيذيين لا يوضح ارتفاع قيمة المهارات التي يمتلكونها، بل يبين استخدامهم سلطتهم في تحديد رواتبهم وامتيازاتهم وقدرتهم على التفاوض وانتزاع الامتيازات من مجلس الإدارة، وعادة في شركات هشة من حيث الحوكمة.
الرواتب الضخمة ارتبطت بسوق الأسهم، في 2022 فقد حصل الرؤساء التنفيذيون على أجور 344 ضعف ما يتقاضاه العامل العادي، وفقا لتقرير صادر عن معهد السياسات الاقتصادية EPI في الولايات المتحدة الأمريكية.
تعويضات الرؤساء التنفيذيين عادة ما تكون غير مرتبطة بأداء الشركة بوضوح. فمن المعروف أن بعض الرؤساء التنفيذيين يتلقون ملايين الدولارات في مكافآت ورواتب رغم عدم تحقيق نتائج إيجابية للشركة التي يقودونها. هذا يعطي انطباعا بأن التعويضات تعتمد بشكل أساسي على علاقات القوة والمكانة بدلا من الأداء الفعلي للشركة.
هناك رؤساء تنفيذيون تم تعيينهم من خلال شبكة المحسوبيات والعلاقات في مجلس الإدارة ولجان الترشحات، وتتسم تلك الشركات بكثرة العلاقات التعاقدية ذات العلاقة بمشاريع الشركة أو الشركات الزميلة، ومن أبرز سماتها أيضا انكشاف أخبار الشركة لنوعية من المساهمين في وقت مبكر، إضافة إلى أن مثل هؤلاء الرؤساء لهم تصرفات مشكوك فيها مثل توقيت الخروج من الشركة في فترات تسبق التراجعات، أو بعد انكشاف في قطاعات مماثلة مثل التورط في حالات فساد أو مخالفات مالية كبرى، وبعد الخلافات بين مجلس الإدارة حول أشخاص لهم مصالح متعارضة.
ينبغي أن يتم تحقيق توازن أفضل في تعويضات الرؤساء التنفيذيين، وأن يتم ربط التعويضات بأداء الشركة بوضوح وقابل للقياس. يمكن تحقيق ذلك من خلال إقرار أنظمة تعويضات تشتمل على مكافآت قائمة على الأداء وتحقيق الأهداف المحددة، وأن تكون هناك أيضا تشريعات وقوانين تنظم تعويضات الرؤساء التنفيذيين، كما يمكن للحكومات والجهات التنظيمية أن تضع قيودا على التعويضات المبالغ فيها، ولا سيما إذا ما كانت الشركات خاسرة ومتدهورة في السوق.
أخيرا: الرؤساء التنفيذيون كلما كانوا من سوق المواهب كان الأداء الاقتصادي أفضل، فالسر في نجاح السياسات الاقتصادية للدول وجود سوق مواهب وليس سوق علاقات، فالرئيس التنفيذي الفاشل ضرره ينال من المنظومة الاقتصادية، ويؤدي إلى هدر الموارد وإضعاف نسبة تكون نمو رأس المال الاستثماري على الصعيد الوطني، إضافة إلى هدر مدخرات الأسر عندما تستثمر في الأسواق المالية، لذا بناء سوق للمواهب مهمة وطنية، تقع على عاتق الجهات المنظمة للقطاعات الاقتصادية بالشراكة مع مجالس الإدارات.