فقر الطاقة والتغير المناخي

لا يحتاج الأمر إلى مراجعة دول فقيرة لدراسة فقر الطاقة، لأن الأمر واضح كالشمس، ولكن دعونا نراجع دولا متقدمة ونأخذ دول الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال مع الأخذ في الحسبان التغير المناخي. يمثل فقر الطاقة مشكلة معترفا بها في دول الاتحاد الأوروبي، وتشير بعض الدراسات إلى المعاناة والصعوبات التي تواجهها بعض الأسر ذات الدخل المنخفض التي تعاني فقر الطاقة، ولكنها تؤكد خطر زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إذا زاد دخل هذه الأسر، وكثيرا ما يرتبط هذا النهج بالعدالة في مجال الطاقة.

بمعنى آخر، إذا قامت الأسر الفقيرة في البلدان الغنية بزيادة دخولها حتى تتمكن من الاستمتاع بخدمات الطاقة التي يتمتع بها الآخرون، فسينبعث منها جراء ذلك مزيد من غازات ثاني أكسيد الكربون.

ولكن في الوقت نفسه، لا يمكن للسياسات الرامية تحقيق العدالة في التوزيع وتحقيق توازن استهلاك الطاقة بين الأسر الفقيرة في الطاقة والأسر الأكثر ثراء بشيء من العدل والمساواة، لأن هذا من شأنه أن يفاقم استهلاك الطاقة وانبعاثات تلك الغازات الدفيئة.

وترجع أسباب فقر الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي إلى ارتفاع أسعار الطاقة والتأثيرات الانكماشية على الاقتصادات الوطنية والإقليمية وعدم كفاءة بعض المنازل في استخدام الطاقة والحفاظ عليها.

ويقدر الباحثون أن 54 مليون مواطن أوروبي لم يتمكنوا من الحفاظ على منازلهم دافئة بشكل كاف مع الإبلاغ عن أعداد مماثلة فيما يتعلق بالتأخر في دفع فواتير الخدمات أو نظرا لظروف سكنية سيئة. ويعتقد أن فقر الطاقة (الوقود) يسهم كبيرا، ليس فقط في الوفيات الزائدة في الشتاء بسبب المنازل الباردة فحسب، بل أيضا في المخاوف الصحية بشكل أوسع، إضافة إلى ارتفاع معدل الوفيات الموسمية في تلك المنازل التي لا تتمتع بكفاءة استخدام الطاقة وغيرها من المؤشرات التي تشير إلى تدني الحياة الاقتصادية والافتقار إلى الرفاهية الاجتماعية.

وفي الأغلب ما تدفع الأسر التي تعاني فقر الطاقة تكاليف أعلى نسبيا لتدني كفاءة الطاقة، مع وجود مجال محدود لمعالجة مسألة عدم كفاية التدفئة دون دعم إضافي. وتعد بلغاريا هي الدولة الأكثر عرضة لخطر فقر الطاقة في الاتحاد الأوروبي، حيث لم يتمكن أكثر من خمس الأسر في بلغاريا من تدفئة منازلهم بشكل كاف في 2022. وتبعتها قبرص واليونان، حيث كافحتا أكثر من 18% من الأسر للحفاظ على دفء منازلهم.

ويمكن القول: إن فقر الطاقة ربما يقف عائقا أمام اتخاذ تدابير من شأنها الحد من استخدام الطاقة وانبعاثات الكربون للمخاوف المتعلقة بالقدرة على تحمل التكاليف، وهنا مربط الفرس.

وفي الولايات المتحدة، أظهر أحد التحليلات أخيرا أن 16% من سكان البلاد يعيشون في فقر الطاقة. وفي 2020، أبلغ ما يقرب من 34 مليون أسرة أمريكية يعانون قلة الطعام أو نقص الدواء أو التخلي عنهما أو مغادرة المنزل في درجات حرارة غير آمنة بسبب عدم القدرة على دفع فواتير الطاقة.

وتظهر نتيجة أحد التحليلات في اليابان أن 7.5% من الأسر تعاني فقر الطاقة، بينما يعاني ما يقارب ثلث الأسر في كوريا الجنوبية فقر الطاقة، بما في ذلك دفع فواتير الطاقة للحفاظ على تدفئة المنزل وتبريده.

ويقدر أن هناك 4.5 مليون أسرة في المملكة المتحدة تعاني فقر الوقود في 2021. ختاما، يمثل فقر الطاقة أحد تحديات القرن الحالي وينطوي ذلك على توسيع نطاق الربط إلى الكهرباء لمئات الملايين من الأسر، مع محاولة تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة وتوفير خدمات الطاقة بأسعار معقولة وعادلة، ويظل التحدي قائما حول معالجة فقر الطاقة والتغير المناخي معا في محكمة التنمية المستدامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي