ركائز النمو الاقتصادي المحلي خلال 2023
أنهى الاقتصاد السعودي أداءه خلال 2023 وفقا للتقديرات السريعة للناتج المحلي الإجمالي الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، على تراجع في نموه الحقيقي بمعدل سنوي بلغ -0.9 % كأول تراجع سنوي منذ 2020، متأثرا بتراجع الأنشطة النفطية بمعدل سنوي بلغ -9.2 %، بينما قلص من تأثير ذلك التراجع نمو الأنشطة غير النفطية للعام نفسه بمعدل سنوي بلغ 4.6 %، ولم يقف التأثير الإيجابي لمحافظة الأنشطة غير النفطية على وتيرة النمو عند ذلك الحد، رغم الأوضاع الاقتصادية العالمية غير المواتية المعروفة للجميع، بل أسهمت بصورة ملموسة في دفع نمو جهود التوطين والتوظيف في القطاع الخاص بمعدل سنوي بلغ 6.2 %، ما أوجد قدرة كافية لدى القطاع الخاص على امتصاص الآثار العكسية للأوضاع المتضعضعة للاقتصاد العالمي على الاقتصاد المحلي، التي كان يخشى أن تمتد انعكاساتها السلبية إلى سوق العمل المحلية وجهود التوطين، وتمكن القطاع من رفع مساهمته في إجمالي وظائف الخدمة المدنية للمواطنين إلى 58.2 % بنهاية العام الماضي، وتوفير أكثر من 2.3 مليون وظيفة للموارد البشرية المواطنة.
في ظل التحديات الراهنة التي تواجهها الاقتصادات كافة حول العالم، الناتجة عن عديد من الأسباب والعوامل المختلفة على المستوى الجيوسياسي الدولي، وما ترتب عليها من انعكاسات سلبية على التجارة الدولية وتدفقات الاستثمار، إضافة إلى السياسات الاقتصادية والنقدية على وجه الخصوص، التي انتهجت منهجية متشددة وما زالت منذ مطلع 2022، أوجد في إطاره العام مشهدا اقتصاديا دوليا بالغ الصعوبة والتعقيد، وما زال قائما حتى الفترة الراهنة، وقد تمتد أوضاعه غير المواتية خلال عامين على أقل تقدير حسب تقديرات كل من صندوق النقد والبنك الدوليين وكثير من الهيئات والبنوك العالمية، وهنا ستعود الاقتصادات المقتدرة إلى الاعتماد على مواردها واحتياطياتها، للتكيف مع المتغيرات وللمحافظة على استقرارها وفرص نموها في وجه التحديات والتقلبات الدولية.
لقد أسهم الزخم الذي تحلت به السياسة المالية محليا في توفير الاستقرار المنشود، ودفع القطاع الخاص للنمو المستمر، حيث شكل إجمالي الإنفاق الحكومي 31 % من الناتج المحلي الإجمالي "28 % خلال 2022"، وارتفعت أيضا نسبة الإنفاق الرأسمالي إلى 4.9 % من الناتج المحلي الإجمالي "3.5 % خلال 2022"، عدا الإنفاق الاستثماري لصندوق الاستثمارات العامة للعام نفسه، واستمرار القطاع التمويلي في تلبية احتياجات القطاع الخاص من السيولة، وتسجيل الائتمان للقطاع الخاص نموا سنويا خلال 2023 بلغ 10 % "12.6 % خلال 2022"، ونظرا لزيادة اعتماد المالية العامة على تمويل عجزها المالي خلال العام الماضي على الأسواق الخارجية، بهدف عدم مزاحمة القطاع الخاص على مصادر التمويل المحلي، فلم يتجاوز نمو الائتمان الحكومي المحلي نسبة 7.7 % "10.8 % خلال 2022"، إضافة إلى مساهمات الصناديق الحكومية في تخفيف آثار الضغوط الناتجة عن ارتفاع أسعار الفائدة، ووصولها إلى أعلى مستوياتها في أكثر من 22 عاما مضت، كل ذلك وفر مستويات كافية من السيولة المحلية التي تلبي احتياجات القطاع الخاص، وهو ما أثبته ارتفاع النمو السنوي لعرض النقود "ن2" بنسبة 9.4 % "6 في المائة خلال 2022"، وجنب الاقتصاد المحلي أي شكل من أشكال أزمات السيولة. وبتضافر واستمرار تلك السياسات الاقتصادية، يعول - بمشيئة الله تعالى - على القطاع غير النفطي استمراره في الدفع بمعدل النمو الاقتصادي، والمحافظة على استقراره وإبقائه في المنطقة الإيجابية، ودعم سوق العمل المحلية.