الاستثمار الأجنبي والنمو اللافت
رسمت رؤية السعودية 2030 خريطة طريق لبناء مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح من خلال تنويع الاقتصاد ورفع تنافسيته واستقطابه للاستثمار الأجنبي. لذلك هدفت الرؤية إلى زيادة إسهام نسبة تدفقات الاستثمار الأجنبي في الناتج المحلي إلى 5.7 في المائة، وزيادة مساهمة القطاع الخاص من 40% إلى 65% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن تكون السعودية ضمن أكبر 15 اقتصادا في العالم بحلول 2030.
وفي هذا السياق، أظهرت إحصاءات وزارة الاستثمار التي أطلقت أخيرا تضاعف حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال 2022 مقارنة بعام 2015، أي قبيل إطلاق رؤية السعودية 2030، ليصل إلى 125 مليار ريال، وبذلك يتجاوز مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للاستثمار بنسبة 105%، وهذا يمثل نحو 3% من الناتج المحلي، أي أعلى من النسبة المستهدفة البالغة 2%، وتحتل السعودية المرتبة العاشرة من بين دول مجموعة العشرين من حيث صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي.
وقد حظيت أربعة قطاعات على نصيب الأسد من تدفقات الاستثمار الأجنبي لعام 2022، بما يعادل نسبة تربو على 87 %، يأتي في مقدمتها قطاع النقل والتخزين، ثم قطاع الصناعة التحويلية، فتجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات، وبعده قطاع التعدين واستغلال المحاجر، علما أن رصيد الاستثمار الأجنبي الأكبر يقع في قطاع الصناعة التحويلية على مدى الفترة (2015 – 2022).
ويعد قطاع النقل والتخزين الأعلى نموا خلال الفترة (2015 – 2022)، بنسبة تربو على 1000 %. ورغم حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي الصغير نسبيا لقطاع الفنون والترفيه، إلا أن هذا القطاع يأتي في المرتبة الثانية من حيث نسبة النمو التي تتجاوز 200 %، ويليه من حيث معدل النمو قطاع صحة الإنسان والأنشطة الاجتماعية، ثم قطاع التعدين. وعلى العكس من هذه القطاعات، فقد شهد قطاع أنشطة الخدمات الإدارية وخدمات الدعم انخفاضا خلال الفترة بنسبة 40 %.
ومن جهة أخرى، هناك تفاوت كبير بين المناطق الإدارية الكبرى لعام 2022، وليس مستغربا أن تحتل المنطقة الشرقية المرتبة الأولى كونها مكان استخراج النفط والصناعات المرتبطة به، وتليها منطقة الرياض، ثم منطقة مكة المكرمة، وبعدها المدينة المنورة، فالحدود الشمالية، علما أن تبوك وعسير والقصيم تتجاوز الحدود الشمالية من حيث رصيد الاستثمار الأجنبي.
والسؤال الذي يقفز إلى الذهن، من أين يتدفق الاستثمار الأجنبي؟ وفي هذا الخصوص، تشير إحصاءات وزارة الاستثمار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تأتي في المقدمة بأكثر من تسعة مليارات ريال، وهذا أمر متوقع كونها الاقتصاد الأكبر في العالم والشريك الاستراتيجي للسعودية الأقدم والأهم، وبعدها تأتي اليابان، ثم فرنسا، والمملكة المتحدة، وكوريا الجنوبية، وألمانيا، وأستراليا والهند على التوالي. ويلاحظ أن الصين لم تكن من الدول الأولى من حيث التدفقات الاستثمارية لعام 2022، ولكنها تأتي في المرتبة الخامسة من حيث الرصيد الاستثماري في السعودية.
وأخيرا لعل وزارة الاستثمار تمنح قطاع التقنية والاتصالات اهتماما أكبر، إذ يحتل المرتبة السابعة من بين قطاعات الاستثمار الأجنبي في السعودية من حيث رصيد الاستثمار الأجنبي والمرتبة السادسة من حيث التدفقات المباشرة لعام 2022. وإلى جانب ذلك، ينبغي زيادة جاذبية الأنشطة المهنية والعلمية والتقنية، وكذلك قطاع التعليم لاستقطاب الاستثمار الأجنبي، لما لهذه القطاعات من أهمية على التنمية المستدامة في السعودية.