Author

الاحتباس الحراري واحتباس الاستثمار

|
مختص في شؤون الطاقة

ذكرت في المقال السابق أن العلاقة بين شرايين الطاقة ومصادرها المختلفة ليست علاقة تنافسية محضة، ويجب ألا تكون كذلك، بل الأخطر على مستقبل أمن الطاقة العالمي أن ينظر البعض إلى هذا التنافس ويضعه في نطاق المعادلة الصفرية، التي تعني أن يكسب فيها أحد مصادر الطاقة كل شيء مقابل خسارة المصادر الأخرى كل شيء! بداية أود أن أشير أن جميع مصادر الطاقة ليست في منأى عن الظروف الطبيعية والتقنية والأمنية والسياسية والجيوسياسية وغيرها، التي قد تتسبب في انقطاعها بنسب متفاوتة، وبأثر متباين، فالظروف الطبيعية والفنية التي تؤثر في إمدادات الوقود الأحفوري، تنسحب أيضا على طاقة الرياح والطاقة الشمسية والنووية وغيرها.
الوصول لمزيج الطاقة الأمثل ورفع كفاءة استخراج واستهلاك جميع مصادر الطاقة دون استثناء هو الخيار الأنسب في اعتقادي، بل هو الحل الوحيد لتفادي الوصول إلى شح في الطاقة يقوض التنمية ويعطل النمو العالمي، وهذا نهج السعودية التي قدمت أنموذجا مميزا وفاعلا في ذلك دون تهديد مستقبل الأمن الطاقي، ودون إغفال الجوانب البيئية. هذا يقودونا إلى حقيقة لا يمكن تجاوزها في رأيي أن الطاقة المتجددة بأنواعها المختلفة كالشمسية وطاقة الرياح ليست طاقة بديلة كما يروج لها، بل هي طاقة مكملة لمصادر الطاقة الأخرى ورافد من روافد الطاقة المهمة على المدى البعيد. محاولة تقويض صناعة المنبع، والتحرك في هذا الملف من بعض الدول والجهات هو خطأ استراتيجي في اعتقادي، حيث إن تأثر صناعة المنبع وأعني هنا التنقيب والاستكشاف وتطوير الحقول، وتأثر الاستثمار في هذا القطاع المهم والصناعة الأهم سيشكل فجوة في المستقبل بين العرض والطلب على النفط.
هذه الفجوة يزيد اتساعها النمو السكاني والصناعي العالمي والتوجه نحو المدنية ما يزيد الطلب على مصادر الطاقة وعلى رأسها النفط، فالطلب سيزداد على النفط، يقابله شح في العرض بسبب ضعف الاستثمارات في صناعة المنبع. الطاقة المتجددة مطلب ضروري وخيار استراتيجي مهم كرافد من روافد الطاقة، لكن هذا لا يعني أبدا أنها منافسة للوقود الأحفوري ولن تكون كذلك، ويجب معرفة أن توسع هذا القطاع ونموه يتطلب بنية تحتية مكلفة تحتاج إلى وقت ليس بالقصير، وقد أوضحت سابقا أن العلاقة بين مصادر الطاقة هي علاقة تكاملية وليست تفاضلية ومن الضروري معرفة ذلك والعمل عليه، والسعودية خير مثال يحتذى به في هذا الصدد، حيث إنه في الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى رفع كفاءة واستهلاك جميع مصادر الطاقة دون استثناء من أجل استدامة وأمن طاقي وإمدادات آمنة حاضرا ومستقبلا، نجد وبكل أسف من يدفع العالم دفعا نحو شح الطاقة بتبني قرارات وتوجهات غير موضوعية لا تخدم أمن الطاقة العالمي في الواقع وإنما تخدم أجندات قاصرة.
الاحتباس الحراري وغيره من الموضوعات التي تستغل لتقويض صناعة المنبع التي يراد منها "احتباس الاستثمار" في أنشطة الاستكشاف والتنقيب عن النفط يجب أن تفند ليعي العالم أن تقويض صناعة المنبع والاستثمار في أنشطته المختلفة سينعكس سلبا على إمدادات الطاقة في المدى المتوسط والبعيد، وسيدفع الأسعار إلى مستويات قياسية في ظل شح العرض.

إنشرها