Author

ماذا يطلب العرب وما المطلوب منهم؟

|

كثير من الدول والجامعات ومراكز البحث والدراسات في العالم تنظم سنويا مؤتمرات ومنتديات لاستشراف المستقبل جيوسياسيا واقتصاديا على المستويين الإقليمي والعالمي ومناقشة الأفكار والمرئيات ذات الصلة بأحداث متوقعة مقبلة أو أحداث سابقة ما زالت تداعياتها مستمرة، لذا فإن حكومة دبي سنت سنة حميدة منذ 2001 بعقد منتدى سنوي استراتيجي لبحث حالة العالم العربي، موكلة تنظيمه ورئاسته إلى محمد عبدالله القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء في الحكومة الاتحادية، الذي لخص في كلمته الافتتاحية الوضع العربي والعالمي بقوله: إن هناك ثلاثة تحولات استراتيجية في المنطقة العربية والعالم يجب التوقف عندها وتأملها وهي القضية الفلسطينية وما طرأ عليها أخيرا وما صاحبها من مآس إنسانية جديدة، وبروز دول الخليج العربية كشريك مؤثر وفاعل في القضايا العالمية السياسية والاقتصادية والمناخية والإنسانية والنفطية والرياضية، وتصاعد وتيرة الاستقطابات داخل المجتمعات فكريا ودينيا وسياسيا واقتصاديا، بدليل تزايد الانقسام بين الشرق والغرب في القيم والتوجهات والثقافات وانحسار العولمة لمصلحة الشعبوية والحمائية، فضلا عما صنعته الفوضى الإعلامية من تجاذبات وانقسامات مجتمعية.
في الدورة الـ20 للمنتدى الاستراتيجي العربي الذي انعقد أخيرا في مدينة دبي وكان لي شرف حضوره إلى جانب نخبة من المسؤولين والخبراء وقادة الفكر العرب والأجانب، كان السؤالان الطاغيان هما: ماذا يريد العالم من العرب؟ وماذا يريد العرب من العالم؟
والحقيقة أن هذين السؤالين المرتبطين والمتعاكسين يشكلان في حد ذاتهما معضلة لسبب بسيط هو أن مصطلح "العالم" يشير إلى أكثر من جهة، لكل واحدة أجندتها وسياستها التي لا تتقاطع مع أجندة وسياسة الجهة الأخرى، بل قد تتعارض بشدة. وكذا الحال مع مصطلح "العرب"، بعبارة أخرى كان يمكن استخدام المصطلحين لو كان العالم موحدا أو كان العرب كتلة واحدة متحدة في أهدافها وسياستها الإقليمية والدولية، لكن المشهد السياسي الراهن يقول إن هناك عالما شرقيا تقوده الصين وروسيا الاتحادية وحلفاؤهما في مواجهة عالم غربي تقوده الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاؤهما، وعالم ثالث تقوده مجموعة الدول النامية التي ليست على قلب رجل واحد أيضا. أما العرب فمنقسمون إلى دول ذات سياسات عقلانية هادئة تحاول جاهدة أن تبني أوطانها وتحقق الازدهار والرخاء لشعوبها وتعمل من أجل الاستقرار والسلام في محيطها الجغرافي وتحفظ سيادتها وأمنها من الأعداء الكثر، تقابلها دول تعيش ـ مع الأسف ـ فوضى "اللا دولة" فصارت ذات سياسات شعبوية وشعارات نضالية.
وهكذا، وجب إعادة صياغة السؤالين السابقين على النحو الآتي: ماذا يريد العالم الغربي من الدول العربية المعتدلة؟ وماذا تريد الدول العربية المعتدلة من العالم الغربي؟ هي الصيغة المناسبة للطرح والجواب، باعتبار أن الأول يهيمن اليوم على القرار الدولي وباعتبار أن الثاني يمثل مركز الثقل العربي.
طرح السؤال الأول في جلسة شارك فيها البروفسور الأمريكي فرنسيس فوكوياما أستاذ العلوم السياسية المعروف وصاحب نظرية "نهاية التاريخ" والدكتور باراج خانا المؤسس والشريك لمؤسسة فيوتشر ماب اللذان تناوبا على الرد مشيرين إلى مطالب مثل الشراكات والتحالفات التي من شأنها تحقيق السلام والأمن العالمي وتوازن القوى وضمان تدفق النفط بأسعار معقولة، ومؤكدين أن ما يطلبه العالم من العرب يتقاطع مع ما يريده العرب لأنفسهم بحسب تعبير "باراج خانا".
أما السؤال الثاني فقد خصصت له جلسة حوارية من أهم جلسات المنتدى وآخرها، حضرها شخصيا الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رئيس مجلس الوزراء/ نائب رئيس الدولة- حاكم دبي، وأدارها بنجاح واقتدار الإعلامي المصري عماد الدين أديب، مستضيفا فيها كلا من صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، والدكتور أنور محمد قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس والسفير نبيل إسماعيل فهمي وزير خارجية مصر السابق. حفلت هذه الجلسة باستعراض تاريخي لبعض الصراعات والأزمات العالمية والإقليمية التي أثرت سلبا في العرب وأضاعت عليهم فرص السلام والاستقرار اللازمة لتوجيه كل طاقاتهم نحو البناء والتنمية، بل أوجدت أمامهم معوقات قوضت خططهم للتنويع الاقتصادي مبكرا.

إنشرها