«إكسبو الرياض» .. تتحقق الأهداف قبل الموعد
كنت في لقاء مع نائب وزير خارجية إحدى الدول ضمن إطار أعمال لجان الصداقة البرلمانية في مجلس الشورى، وقد تحدث ذلك الضيف بإعجاب شديد عن إدارة السعودية لملف "إكسبو الرياض" 2030، وكيف استطاعت الرياض أن تحشد الدعم الدولي لها بشكل مذهل، لقد كان يتحدث بطريقة تجعلني أشعر بالفخر والاعتزاز بهذه الدولة وشبابها. بداية فإن لجان الصداقة البرلمانية تعد حلقة وصل دولية مهمة، فهي تسهم في نقل التجارب البرلمانية وفهم الآخر وثقافته، كما أن لجان الصداقة البرلمانية في مجلس الشورى تهدف إلى توثيق روابط الصداقة بين مجلس الشورى والبرلمانات في الدول الشقيقة والصديقة من أجل تحقيق أكبر قدر من التنسيق والتعاون في المحافل البرلمانية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وعادة ما يكون لدى الدول الأخرى لجان صداقة نظيرة، ويتم التواصل من خلال هذه اللجان، في أوقات أخرى من خلال القائم بأعمال السفارة في الدولة الصديقة، لكن ما زاد دهشتي في اللقاء الأخير أنه تم مع نائب وزير خارجية بطلب مباشر منه، وفهمت خلال اللقاء أنه كان حريصا جدا على زيارة المملكة خاصة بعد النجاح الكبير في إدارة ملف إكسبو الرياض 2030، فهو يريد أن يتعلم كيف يمكن إدارة ملفات دولية بهذا الحجم، أضف إلى هذا أن المملكة نجحت وبشكل كاسح في الفوز باستضافة كأس العالم لكرة القدم للرجال 2034، وأن تكون الدولة الوحيدة التي تقدمت بالطلب، والجميع يعرف أهمية كأس العالم لكرة القدم، وكون السعودية هي الدولة الوحيدة التي تقدمت دلالة كبيرة على أنه لم يكن أحد في العالم أجمع قادرا على منافسة الملف السعودي فقرر الجميع الصمت، هذا كله يقدم دليلا على ما وصلت له هذه الدولة الفتية من تقدم بارز ومكانة دولية لا منافس لها، وأن تكون محل أنظار العالم وأصبح الجميع يتلمس التجارب هنا، وكلنا ندرك تماما أن هذا حدث خلال فترة وجيزة منذ انطلاق الرؤية مع ما حملته من تحولات كبرى نحو أسقف عالية من الطموح، فقبل الرؤية لم يكن هناك من يتصور أن تفوز المملكة بهذه الأحداث الكبرى دون أدنى منافسة.
لم يكن حديث نائب وزير الخارجية مع لجنة الصداقة هو الذي حفزني لهذا المقال، ولا حرصه الشديد على الفوز بفرصة للتعلم ونقل التجارب من هنا، لكن لأنني كنت أتصور أن المنافع الأساسية من الفوز بهذا الحديث الكبير "إكسبو الرياض" قد لا تتحقق حتى نهاية الحدث نفسه، ولهذا كنت أقول لمن حولي إن المهم قد حدث وهو التقدم بالملف وإقصاء منافسين أقوياء وبسهولة، لكن بقي الأهم وهو إدارة الحدث نفسه بطريقة احترافية تبرز مهارة السعوديين في التنظيم فقط، بل تقدم نماذج إبداعية وابتكارات في تنظيم الأعمال، ما يجعلنا محل طلب عالمي في هذه الصناعة، كما يجعل الآخرين يسعون لالتماس التجربة Know-How هنا في السعودية، لقد كنت أظن أن هذا لن يتحقق ما لم نبهر العالم، وهذا يتطلب من خلال الخمسة أعوام المقبلة جهودا ابتكارية وإطلاق العنان للإبداع، كما كنت أظن "وما زلت أؤمن" أن علينا تقديم "رمز" للحضارة السعودية، يبرز روحها ومستقبلها وما تنادي به من خير للعالم، رمز يشبه في إبداعه رمزية برج إيفل الفرنسي الذي كان يوضح حجم قوة الحديد عند فرنسا والحضارة القادمة للعالم مع إمبراطوريتها الناشئة حينها، لقد ظل هذا الرمز تحفة معمارية وملهما للإنسانية وإحدى المعجزات البشرية. كنت أظن أن ما نسعى إليه من فوزنا بالمعرض العالمي وبتنظيم كأس العالم، لم ولن يتحقق ما لم نتمكن من إبهار العالم في لحظات الافتتاح في الموعد المقرر، لكن تبينت لي الحقيقة بالأمس وأننا أبهرنا العالم منذ لحظات الفوز الأولى، لقد تحققت معظم الآمال في وصول اسم السعودية لكل ذي لب، لقد انبهر العالم بحجم السعودية الحقيقي إذا دخلت منافسة، وأنه لا مجال للاقتراب منها، وهذا أدهش دول العالم التي تسعى لكي تجد قدوة حسنة في هذا العالم الذي تغيرت ملامحه كثيرا، وأصبحت الحرب ولغة التهديد والتصعيد هي لغة التفاهم الوحيدة.
لقد أبهرنا العالم بلا شك ونحن ندير ملفات مرعبة بحجم إكسبو 2030 وهو المعرض الذي يزيد عمره على 170 عاما عندما انطلق عام 1851 في لندن وكان قصر الكريستال المصنوع من الحديد مع ألواح الزجاج، أهم نموذج في ذلك المعرض الأول لإكسبو لندن، ولا يزال أحد النماذج التاريخية المثيرة للجدل حتى اليوم مع حديقة الهايد بارك التي أصبحت بفضله معلما بارزا في لندن، فلقد كانت المعارض الدولية تؤكد بوضوح فلسفة وروح الحضارة في الوقت الذي تبنى فيه. لم يكن انبهار العالم في الفوز، فالمملكة تستحق أن تنافس وتفوز، لكن الانبهار جاء من حجم عجز المنافسين على تحدي الملف السعودي، وكيف استطاعت السعودية بشبابها أن تجعل الأغلبية الساحقة من الدول تصوت دون تردد، وهذا لم يكن ليحدث إلا مع دولة كبرى عظيمة يثق فيها العالم، هذه الثقة العالمية أصبحت اليوم رأس المال الحقيقي الذي تم تعظيمه من خلال الفوز بإكسبو الرياض، هذه الروح الكبيرة يمكننا استثمارها بشكل رائع وسيكون لها دخل يوازي دخل النفط، ولو أطلقنا اليوم كل محركات الجذب العالمية مثل السياحة والبعثات الدراسية للجامعات السعودية، فإن العالم لن يتردد في إرسال أبنائه إلى هنا لفهم الروح التي تسري في شباب هذه البلاد والتعلم منها.