حرب بكين ضد «لوكهيد» .. الأسباب والخلفيات
شركة لوكهيد مارتن، لمن لا يعرفها، شركة أمريكية عملاقة تعد اليوم من أكبر الشركات المختصة في الصناعات العسكرية على مستوى العالم دخلا وتوظيفا وإنتاجا للمقاتلات الحربية المتطورة ومحركات الطائرات ومركبات ومكوكات الفضاء وطائرات الشحن العسكرية العملاقة وأنظمة الدفاع الجوي، حيث بلغت قيمتها السوقية في نهاية 2022 نحو 11.58 مليار دولار.
هذه الشركة، التي تعمل مقاولا دفاعيا للولايات المتحدة، بعد أن كانت مختصة لأعوام طويلة في صناعة طائرات الركاب المدنية "مثل طائرة لوكهيد 1011 تراستار الفخمة"، باتت هي ـ ونظيرتها الأمريكية الأخرى "نورثروب جرومان" ـ هدفا رئيسا لحملة مقاطعة صينية بسبب مواصلة واشنطن عملية تزويد تايوان بأسلحة متطورة من إنتاج لوكهيد مارتن، التي كان آخرها صفقة بقيمة 300 مليون دولار لربط نظام المعلومات التكتيكية لسلاح الجو التايواني مع نظام حلف الناتو من أجل تحسين قدرات تايوان في مجال القيادة والسيطرة وأنظمة التواصل والحاسوب، وتعزيز الاستعداد التشغيلي لمواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية من قبل بكين. هذا علما أن هذه الصفقة بين واشنطن وتايبيه هي الـ12 منذ تولي الرئيس جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة في يناير 2021.
الجدير بالذكر في هذا السياق أن بكين، التي تعد تايوان إقليما متمردا وتطالب بعودتها إلى السيادة الصينية وتندد بسياسات واشنطن الداعمة لها، سبق لها أن اتخذت منذ يوليو 2020 عددا من الإجراءات ضد شركة لوكهيد مارتن منها: وضعها على قائمة الكيانات غير الموثوق بها، ومطالبتها بغرامات تبلغ ضعف حجم مبيعاتها العسكرية لتايوان، وحظر دخول مديريها وموظفيها إلى الأراضي الصينية، وغيرها من الإجراءات التي لم تتضرر منها الشركة قيد أنملة لسبب بسيط هو عدم وجود كثير من الأعمال والاستثمارات المباشرة لها داخل الصين، وهو ما جعل معلقا أمريكيا يصف العقوبات الصينية بأنها "مزحة" وأن لا أحد في الولايات المتحدة يكترث لها.
غير أن بكين تدعي أن عديدا من الكيانات التابعة لشركة لوكهيد مارتن تعمل داخل الصين في مجالات الطاقة والإلكترونيات وقطع غيار الطائرات. ولعل هذه الجزئية الأخيرة هي التي دفعت بعض المعلقين إلى تساؤل مفاده هو "لماذا لم تلجأ بكين إلى ضرب هذه الكيانات وطردها طالما هي مرتبطة بشركة معادية؟" والجواب ـ بطبيعة الحال ـ هو أن خروجها من الصين معناه ذهابها إلى الاستثمار في دول أخرى معادية أو منافسة للصين مثل الهند وفيتنام، وبالتالي حرمان الصناعة الصينية من بعض احتياجاتها التقنية.
لا حاجة لنا للقول إن هذه المعركة المشتعلة بين الحكومة الصينية والشركة الأمريكية مرتبطة بصورة أو أخرى بتأزم العلاقات الأمريكية ـ الصينية التي لم تنجح القمة التي عقدها شي جين بينج الرئيس الصيني مع نظيره الأمريكي في سان فرانسيسكو في نوفمبر الماضي على هامش اجتماعات قمة منتدى التعاون لآسيا والمحيط الهادئ "إيبك"، في حلحلتها أو تخفيفها، خصوصا فيما يتعلق بتايوان، بدليل تجديد الرئيس الأمريكي تأكيداته أن سياسة "صين واحدة" التي تنتهجها إدارته لا تعني الموافقة على أي إجراءات أحادية الجانب من قبل بكين لتغيير الوضع الراهن في مضيق تايوان.
لهذا السبب، تجاهلت واشنطن ملاحظات ومناشدات بكين بأن مبيعات الأسلحة الأمريكية لتايوان تقوض بشكل خطير سيادة الصين ووحدتها وأمنها القومي وتضر بالسلام والاستقرار عبر مضيق تايوان وترسل رسالة خاطئة إلى القوى الانفصالية الساعية إلى إعلان استقلال تايوان، وواصلت تزويد الأخيرة بأسلحة دفاعية وبأنظمة دقيقة جديدة كي تمكنها من استبدال أنظمتها القديمة غير القادرة على التفاعل والاندماج كما يجب مع أنظمة الدفاع الجوي الأمريكي وأنظمة حلف الناتو والأنظمة المستخدمة في المعدات والأسلحة التي اشترتها تايبيه من فرنسا مثل طائرات الميراج 200 وفرقاطات لافايات.
أما الصين، وللأسباب نفسها، فقد واصلت مناوراتها وطلعاتها الجوية عبر مضيق تايوان يوميا، مع إرسال المناطيد الحاملة لكاميرات استطلاع دقيقة، بعد مضي أقل من شهر على قمة سان فرانسيسكو المشار إليها.