التضخم الأوروبي يعود .. من سيتأثر؟

غير مشجعة أخبار التضخم القادمة من أوروبا، ويبدو أنها ستفسد نشوة الانتصار على وتيرة ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية، التي يرى المسؤولون في مجلس الاحتياطي الفيدرالي أنهم استطاعوا إلى حد كبير السيطرة عليها، وبدأوا بالفعل التلميح بقرب موعد خفض معدلات الفائدة، على الرغم من تضارب تصريحاتهم حول توقيت قيامهم بذلك، بل حتى إن كانت معدلات الفائدة قد بلغت قمتها، أم تبقى بعض عمليات رفع قادمة. في آخر اجتماع لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أفاد المسؤولون بأنهم يعتقدون أن الفائدة قد بلغت قمتها أو أنها وصلت إلى قرب قمتها لهذه الدورة من دورات رفع معدلات الفائدة، مؤكدين جميعهم أن الفائدة ستكون أقل بنهاية 2024.
لكن على الجانب الأوروبي تشير البيانات الحديثة لشهر ديسمبر إلى أن التضخم قد عاد إلى أوروبا ولم تتم السيطرة عليه كما يعتقد الجانب الأمريكي، الذي لا يزال ينتظر نزول نسبة ارتفاع التضخم إلى 2 في المائة على أساس سنوي. ففي ألمانيا ارتفع التضخم إلى 3.8 في المائة بينما كان فقط 2.3 في المائة لشهر نوفمبر، أي إن التضخم السنوي في ألمانيا كان 2.3 في المائة ثم ارتفع إلى 3.8 في المائة بشكل سريع ومفاجئ. وبالمثل في فرنسا، لكن بأقل حدة من ألمانيا، ارتفع التضخم من 3.9 إلى 4.1 في المائة بحسب آخر قراءة، وعلى مستوى جميع الدول الأوروبية التي تتعامل باليورو ارتفع متوسط التضخم من 2.4 إلى 2.9 في المائة، وهو أول ارتفاع منذ أبريل 2023.
هذه النتائج المحبطة في الجانب الأوروبي مهمة للغاية، كون هناك ترابط كبير بين الاقتصادين الأوروبي والأمريكي، وكذلك هناك ترابط وتأثيرات مباشرة بين التضخم في أوروبا ودول كثيرة حول العالم، بما فيها الدول الخليجية التي لديها تعاملات تجارية مع أوروبا، تصل فيها، على سبيل المثال، الواردات من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا إلى المملكة لأكثر من 12 في المائة من إجمالي الواردات السنوية. لذا فإن هناك تأثيرات مباشرة لارتفاع التضخم في أوروبا في الدول الخليجية، عدا التأثيرات غير المباشرة نتيجة إعادة التصدير والاستيراد من دول هي بدورها تتأثر من التضخم الأوروبي.
على الرغم من البيانات غير المشجعة إلا أن هناك بعض التبريرات لهذه الارتفاعات المفاجئة، وهي أن طبيعة قراءة بيانات التضخم عبارة عن مقارنة الأسعار بنهاية الشهر مع مثيلاتها في الشهر نفسه من العام السابق، فهناك من يرى أن التضخم في ديسمبر 2022 كان مسيطرا عليه بسبب الدعم المالي الكبير الذي قامت به بعض الحكومات، منها على سبيل المثال الحكومة الألمانية، التي قامت العام الماضي بدفع فواتير بعض منتجات الطاقة لشهر ديسمبر لفئات كثيرة من الأسر الألمانية، ما جعل قراءة التضخم لذاك الشهر تظهر أقل من الواقع. كذلك فرنسا تبرر الارتفاع المفاجئ بأنه نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة وخدماتها في 2023 مقارنة بالعام الماضي.
هناك تخوف لدى المستثمرين في الأسواق المالية من أن عودة التضخم في أوروبا قد تؤثر في الأسعار في أمريكا وبالتالي لن تتحقق أماني مجلس الاحتياطي في السيطرة على التضخم، وقد يؤدي ذلك إلى استمرار معدلات الفائدة مرتفعة لمدة أطول مما هو متوقع، وقد يؤدي ذلك إلى تراجع أسعار الأسهم في 2024. وتزداد حدة هذا التخوف عطفا على الارتفاعات غير المتوقعة في الأسهم الأمريكية والأوروبية في 2023 التي يرى البعض أنها قد تضغط على أسعار الأسهم في المرحلة المقبلة. فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي 2023 بارتفاع كبير في المؤشرات الرئيسة بنسب وصلت إلى 24 في المائة وأكثر، منها مؤشر ناسداك الذي حقق 43 في المائة، وكذلك المؤشر الأوروبي الشامل ارتفع 9 في المائة. وبالفعل شهدت الأسهم الدولية تراجعات في أول أيام العام الجديد وسط تضارب الآراء والتصريحات بشأن وجهة التضخم في المرحلة المقبلة واحتمال تراجع معدلات الفائدة، ولذا ستكون أخبار عدم مواصلة ارتفاع التضخم هي المسيطرة على مشاعر المستثمرين في الأشهر القليلة المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي