«مروة» .. الخرافة توقظ صراعات البلدة القديمة
في هذه الحياة كلنا مجرد لاعبين، في مباراة مصيرية لا تنتهي، الرابح الحقيقي فيها من يسيطر على الصافرة، أو هكذا يرى الروائي السعودي حزام بن راشد.
في رواية "مروة"، سرد قصصي سلس وماتع لرحلة فتاة تعاني عذابا نفسيا، وصراعا مع واقعها الأليم، وقد تجد في رجوعها إلى الماضي ترتيبا للحاضر التائه، لينير المقبل المجهول.
الرواية التي تسلط الضوء على عالم الدجل والخرافة، تخلص إلى أن كل شيء من الممكن أن يرحل، سوى الذكريات، هي باقية وتتغلغل، لتعيد ترتيب حياة البلدة القديمة.
أحداث «ربما» حقيقية
كاتب رواية "مروة"، الروائي السعودي حزام بن راشد، في رصيده تسعة إصدارات أدبية أخرى، هي الحرة والمجرة، الحندس، أنثى المعراج، الشيخة روان، الطفلة إيمان (جزآن)، سارقة الأزواج، الهاربة سارة، اختفاء سحر.
وباستعراض إنتاجه الغزير، يميل الروائي الشاب إلى تسمية روايته باسم بطلتها، مثل سحر وإيمان وروان وسارة، واللاتي يحملن قصصا تستحق أن تروى، وتعالج مشكلات نفسية ومجتمعية.
في مسيرة ابن راشد معادلة ولغز، فهو الروائي السعودي الذي يحظى بمكانة وشهرة في دولة الكويت، أكثر من شهرته في المملكة، وربما مرد ذلك لرواياته الصادرة عن دار نشر كويتية، فيما تعالج رواياته قضايا حساسة وتحظى بإقبال كبير من الشباب.
وفي روايته الأخيرة "مروة"، الصادرة عن دار نوفا بلس الكويتية، يشوق فيها الروائي قراءه بأن الأحداث التي تقع في نحو 400 صفحة ليست حقيقية "ربما"، ليضع القارئ بين الشك واليقين، في تشابه وإسقاطات بين أحداث الرواية والواقع.
وفي تمهيد للرواية، يقول الروائي إنها كتبت كمحاولة لمجاراة خيال الإنسان، والصراعات النفسية والمجتمعية التي قد يخوضها في بيئته، لذلك استحدث الكاتب ظروف زمانية ومكانية لا وجود لها إطلاقا، حتى تصل الفكرة بالشكل التقريبي، في رواية خيالية لا تمت للحقيقة بصلة، كما أن جميع أسماء البلدات الموجودة مستوحاة من الخيال، وهي غير موجودة على أرض الواقع بتاتا، في أحداث مبنية على الخيال أيضا، حتى لا تفسر الأمور بما لا تحتمل، على حد تعبير الكاتب.
نصيحة من رحم الأحداث
الروائي كان كريما في روايته بأن وضع نصائح ونقاط على الحروف منذ الصفحات الأولى لروايته، ووجه نصيحته للقراء "كونوا أنفسكم، لا ما يريده منكم الطرف الآخر، فالتنازلات التي تقدمونها عند بداية أي علاقة في الأغلب سببها تك الغشاوة التي تصنعها لكم لذة البدايات، لكنها قد تزول بالتدريج كما لو أنها غيمة تتلاشى، وعندها ستتضح لكم الرؤية، وتأتي بعد ذلك أبشع الصراعات وأسوأ القرارات".
وفي رواية "مروة"، تعيش ابنة تحمل الاسم ذاته وسط صراعات البلدة القديمة، التي تصل إلى ذروتها الخطيرة على سكان البلدة، صراع البقاء الذي لا يتحقق إلا بسحق الآخر، بين محتكر للرقية الشرعية والشيخة بخيتة سيدة النار والزار، وما بين الشكوك والتصديق، يعيش سكان البلدة تحت رحمتهما، أملا في طرد الشياطين والحصول على البركة، من أجل حياة أفضل وأكثر استقرارا.
في داخل الرواية، كما يحكي ابن راشد، كثير من الأحداث الصادمة التي ترعب النفوس، وكثير من الأسرار التي تكشفها مروة، بعد نجاتها قبل أن تكون ضحية مثل بقية الضحايا لسكان البلدة الخاضعة لسحر القداسة ورهبة الخرافة.
ذكريات تأبى الاندثار
مروة ابنة الـ25 عاما التي تعود جذورها إلى قرية الدفوف، تحمل في ذاكرتها نحو عقدين من الذكريات القذرة والبشعة التي تأبى الاندثار، مثل والد كان مثالا للجبروت والقسوة والظلم، والعلاقة التي تجمع والدتها بوالدها وهروبهما معا للزواج سرا دون رضا العائلتين، في ظل عائلة مفككة، فقدت قيمة الحب، وباتت تعده نشوة كاذبة صدقها الأغبياء.
في الرواية، التي كتبت بلغة سهلة مبسطة تسهل التهامها في جلسة واحدة، مشاهد غريبة، مثل العلاقة التي يسودها الرعب بين الأم وأخيها والمغلفة بشبح الانتقام، إلى جانب علاقات مسمومة يسعى أطرافها إلى ترميمها، لكن الحياة تخبرنا أن المحاولات الأخيرة تجاه ترميم ما تبقى من أي علاقة مسمومة هي مجرد تأخير لموعد الاعتراف بأنها قد انتهت.
إن كان لكسر النفس أشكال، فأسوأها دون نقاش زواج الحاجة، الذي كان لظروف تشرحها الرواية، فيما تسوق الأقدار مروة لأن تسكن مقبرة، لتكتشف أن المقابر لا يسكنها الموتى فقط، وإنما يسكن في باطنها كثير من الأسرار.
بقاء الأشياء السيئة في محيطنا طويلا، قد يضفي عليها شيئا من الألفة والقبول دون أن نشعر بذلك، هكذا يصل بنا حزام بن راشد، في روايته ذات النفس السوداوي، إلا أنها تمزج بين الحكمة والقصة سهلة الوصول، ومن المدهش أن الروائي لم يختر مسار النهايات المفتوحة، التي تحرم القارئ لذة القراءة وتتبع مسار الحكاية.
رقاة محتالون
يتناول ابن راشد في روايته ملف بعض الرقاة من المحتالين، الذين يتخذون من مزاعم العلاج بالرقية الشرعية والطب الشعبي وسيلة إلى غاياتهم المنحرفة، التي سجلتها محاضر الشرطة وأروقة القضاء.
يستند الروائي إلى أخبار وتحقيقات صحافية كشفت عن محتالين ونصابين تورطوا في جرائم تحرش وشروع في القتل، مخالفين الضوابط التي وضعتها الأجهزة المختصة لنشاط ممارسي الرقية الشرعية وإلزامهم بالحصول على رخص تتيح لهم إدارة مثل هذا النشاط.
واللافت أن هذا المجال يخضع لمواكبة للتطور التقني، إذ أصبح بعض الرقاة يستعينون بالتقنيات الحديثة ومنصات التواصل الاجتماعي للإعلان واستقبال طلبات الرقية، حيث تراوح تكلفة الجلسة الواحدة ما متوسطه 300 - 600 ريال، وتستغرق ما بين 30 - 60 دقيقة، ويحتاج طالب الرقية في غالب الأحوال إلى عدد من الجلسات يحدده الراقي طبقا لظروف الحالة، في حين يروج آخرون لبيع "الماء المقري" وماء زمزم وزيت الزيتون وخلافه، للتخلص من العين والحسد وغيرها.
إضافة إلى ذلك، يتطرق الروائي إلى شخصيات نسائية تمارس طقوس حفلات الزار، التي تتضمن رقصا نسائيا لطرد الأرواح المتلبسة بالإنس، أو لاسترضائها من خلال إيقاعات سريعة على دقات دفوف تقرع لإراحة النساء من آلامهم، وقد ترقص فيه المرأة المصابة أكثر من مرة ولساعات طوال من حين إلى آخر، في جلسة يحضر فيها البخور والإيقاعات واستحضار الجان.
التحويل إلى الشاشة
للروائي حزام بن راشد رواية سابقة ذائعة الصيت تحمل اسم "الطفلة إيمان"، مكونة من جزأين، تدور حول اختطاف طفلة وتنقلها بين عصابات التجارة بالأطفال، وتهريبها إلى دول مجاورة، فهل الطفلة سترجع إلى أهلها ووطنها مرة ثانية؟، حول هذا السؤال تدور الرواية التي يجري تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني.
وعبر صفحات رواية "الطفلة إيمان"، يرى الروائي أن قراءة الأحداث البشعة في الحياة مفيدة، لأنها تخبر بأن حالنا أفضل بكثير عن حال غيرنا، وعندها سنترك السوداوية المقيتة التي نختلقها لأنفسنا كل يوم، وسنفكر بعد ذلك بإيجابية.
ابن راشد اشترط عند تحويل روايته إلى مسلسل بأن تحافظ على الخط الرئيس للرواية، مع الحفاظ على الاسم، مبينا أنه يستغرق نحو تسعة أشهر إلى عام لكتابة الجزء الواحد من الرواية، ليحقق تحويلها تلفزيونيا حلما من أحلام الكاتب.
وبين في حديث لـ"الاقتصادية" أن المسلسل سيكون من ثلاثة مواسم، وكل جزء يتضمن مجموعة من الحلقات، ستسهم في تقديم الكاتب إلى جمهور جديد وهو جمهور الشاشة، مع التفات المنتجين لرواياته وأعماله الأدبية الأخرى، مثل "سارقة الأزواج" و"مروة".