تحرير التجارة .. تكاملية وتنافسية

تعد اتفاقيات التجارة الحرة اتفاقيات شاملة وعالية المستوى، تتناول قضايا مهمة مثل الشفافية في تداول المعلومات والبيانات التجارية وسيادة القانون ومحاربة الفساد وحماية الملكية الفكرية، كما تدعم تلك الاتفاقيات جهود الإصلاح الاقتصادي والتجاري، وهي أيضا تمثل المحطة النهائية في سلسلة من الخطوات على طريق فتح أسواق الدول المعنية.
وعلى هذا الصعيد والاتجاه تمثل اتفاقية التجارة الحرة بين دول الخليج وكوريا الجنوبية، نقلة نوعية على صعيد النشاط الاقتصادي والتجاري الخليجي العام نحو تدعيم شراكاته على الساحة العالمية، بما في ذلك عقد اتفاقيات، ليس فقط لتحرير التجارة، بل لتنظيم المنافسة أيضا، وهذه النقطة الأخيرة، تعد محورا مهما على صعيد تناغم العلاقات الاقتصادية عموما بين دول المجلس والأطراف الأخرى. وتأتي الاتفاقية مع كوريا في غضون مدة قصيرة مضت على اتفاقية مماثلة بين التكتل الخليجي وباكستان.
في حين أن الخطط الخليجية لن تتوقف عند هذا الحد في هذا المسار الاستراتيجي المهم، فكل الدول تسعى دائما لاتفاقيات تجارة من أجل تعزيز قدراتها في كل القطاعات، خصوصا إذا ما كانت مثل هذه الاتفاقيات مبنية على أسس صلبة وواقعية. وسبق لمجلس التعاون الخليجي، عقد اتفاقيات تجارة حرة مع رابطة التجارة الحرة الأوروبية "أفتا"، ومع سنغافورة، فضلا عن الاتفاقية العربية الإطارية لتحرير تجارة الخدمات بين الدول العربية، وبالتالي، فإن المسار الخليجي مستمر لما فيه مصلحة التكتل، كما أن مثل هذا التوجه يعزز بحد ذاته التكامل التجاري الخليجي عموما، ويوفر آفاقا أخرى متناغمة مع كل الاستحقاقات.
ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن الاتفاقية مع كوريا تعفي 89.9 في المائة من الصادرات الخليجية من التعريفات الجمركية، وهذا يعد انتصارا لأن هذا يعني المساهمة المباشرة في تخفيض أسعار السلع، والرفع من مستوى الطلب عليها. أهمية اتفاقيات التجارة المشابهة، تكمن في مجموعة من النقاط، على رأسها دعم التجارة الخارجية، وتمكين قطاعي الصادرات والواردات بمزيد من القوة، وفتح وجهات متعددة أمام التجارة بشكل عام، فدول المجلس، بدأت منذ أعوام تحولات اقتصادية تاريخية مهمة، تعتمد أساسا على التجارة والصادرات، فضلا عن تجارة الخدمات التي أصبحت محورا أساسيا.
ولا شك في أن دول منطقة الخليج العربي عموما، تمثل محورا تجاريا عالميا، بحكم التحولات الاستراتيجية، التي حدثت وتحدث فيها، فضلا عن موقعها الاستراتيجي وعلاقاتها الجيدة على المستوى الدولي، فقد حافظت على جودة هذه العلاقات في أوقات الأزمات والانفراج، وهذا يعني، أن ما تشهده التجارة الخارجية الخليجية وستشهده في المستقبل، يسهم بقوة في دعم النمو الاقتصادي العالمي، خصوصا بوجود دول محورية على الساحة الخليجية تشارك في صنع القرار الدولي عموما. والاتفاقية الخليجية-الكورية، تعزز التحركات التي يقوم بها المجلس، لعقد اتفاقيات مشابهة مع التكتلات الدولية الأخرى، ولا سيما تلك التي تمثل ركنا رئيسا على الساحة الاقتصادية العالمية، والأمر يتطلب مزيدا من العمل للوصول إلى مثل هذه الاتفاقيات، علما بأن الدول الخليجية تمتلك الأسس القوية، لجعل التكتلات الأخرى تسعى هي الأخرى لاتفاقات استراتيجية معها.
ففي الأعوام الماضية، نشأت على سبيل المثال اتفاقيات تعاون مع الاتحاد الأوروبي، ستكون أساسا لاتفاقيات تجارة حرة واسعة النطاق في المستقبل، كما أن للدول الخليجية اتفاقيات مشابهة مع تكتلات كبرى في آسيا، كلها تصب في المسار التي يقود في النهاية لإطلاق اتفاقات تستند إلى أسس استراتيجية مستدامة، خصوصا في ظل ما تتمتع به دول الخليج العربية من قدرات تمثل إضافة لأي طرف آخر يرغب في عقد اتفاقات معها. الطريق مفتوحة أمام دول الخليج، لإقامة اتفاقيات تجارية مستقبلية مبنية على مكان وقدرات دوله، كما أن علاقات المجلس الدولية توفر له مزيدا من الدعم في نشاطه التجاري العام، وهذه العلاقات بنيت منذ عقود على أسس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، والعمل الدبلوماسي الهادئ، وكلها عوامل تصب في التوجهات الخليجية نحو آفاق اقتصادية دولية بلا حدود.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي