الصين .. عثرات على الطريق والسقوط مستبعد «4 من 4»
خلال الأعوام الأخيرة، واجهت الحكومة نوبات من التقلبات في أسواق الإسكان والأسهم، وفي الأغلب ما وجدت نفسها مضطرة إلى العمل بازدواجية على الموازنة بين الحفاظ على الثقة بالأسواق والسماح بانضباطها ذاتيا، ما أدى على العكس إلى تزايد الاضطرابات السوقية. وأحيانا أدى منهج التدخل واللاتدخل هذا إلى إيجاد شعور قوي بعدم اليقين علاوة على المزاج الاستثماري الهش بالفعل، وتفاقم التقلبات السوقية.
كذلك قد تأتي الإصلاحات السوقية بنتائج عكسية، لتضيف إلى التقلبات والمخاطر، ما لم تقترن بإصلاحات أوسع نطاقا. وتحتاج الصين إلى مزيد من الشفافية في عملية صنع السياسات، وتعزيز حوكمة الشركات والمعايير المحاسبية، ومزيد من الاستقلالية التشغيلية في البنك المركزي والسلطات التنظيمية كأدوات مكملة للإصلاحات المالية والسوقية الأخرى.
وقد اتخذت الحكومة قرارا صحيحا بالتشجيع على تطوير أسواق الأسهم وسندات الشركات، ولكنها لم تفعل سوى القليل لتحسين الحوكمة ومعايير المحاسبة والتدقيق في الشركات الصينية. وأدى ذلك إلى انعدام الشفافية الذي أسهم في حدوث تقلبات حادة في أسواق الأسهم والسندات بسبب معرفة المستثمرين المحدودة بالشركات التي يستثمرون فيها، وهو ما اضطرهم إلى تتبع خطى التقلبات السوقية لتتفاقم فيما بعد.
وتواجه الحكومة تحديات كبيرة في التوفيق بين هذين الهدفين المتضاربين - مزيد من الحرية للأسواق مع تدخل الحكومة بقوة للحفاظ على "الاستقرار والنظام". فتنفيذ الإصلاحات الهادفة في اقتصاد زاخر بأوجه عدم الكفاءة تنشأ عنه مخاطر على التحول، ربما في صورة تقلبات مالية واقتصادية، ولا سيما إذا كانت الحكومة لا تفصح بوضوح عن أهداف سياساتها وتترك الأسر والشركات للتكهنات. وتمتلك الحكومة حتى الآن موارد كافية وحيزا في سياساتها للتأقلم مع بعض هذه المخاطر التحولية، لكن أفعالها ومحاولات التدخل المباشر في الأسواق خلال الأوقات الصعبة قد تؤديان إلى مشكلات أكبر وتداعيات دائمة.
أثبتت الحكومة الصينية قدرة فائقة على إدارة تراكمات الضغوط الاقتصادية والمالية الحادة الناجمة عن عدم كفاءة نموذج النمو المستخدم ومخاطره. ففي أكثر من مناسبة، نجحت الحكومة في أن تتجاوز بالاقتصاد أزمات مصرفية لم يكن من الممكن تجنبها على ما يبدو، والتراجع الكبير في قيمة العملة، وسقوط أسواق العقارات، والانهيار الاقتصادي.
ورغم عدم تحقق تلك الأضرار الوشيكة، نرى تداعياتها في الوقت الحالي: تراكمات هائلة من الدين المحلي، وخسائر بقيمة تريليون دولار أمريكي ضمن احتياطيات النقد الأجنبي خلال الفترة 2015-2016، وتقلبات حادة في أسعار الأسهم والعقارات والأصول الأخرى.
وتواجه الحكومة حاليا عددا من الأزمات على مستوى السياسات: كيفية الاستمرار في تقليص الدين مع الحفاظ على النمو، وكيفية الحد من الإنتاج كثيف الاستخدام للطاقة مع مواصلة اعتماد الاقتصاد على الصناعات الثقيلة، وكيفية تحقيق الانضباط المالي في الأسواق مع محاولات الحكومة لتعزيز سيطرة الدولة، وكيفية الحد من عدم المساواة في توزيع الثروات مع الاعتماد على القطاع الخاص في توليد مزيد من الثروة، وكيفية تشجيع الابتكار في القطاع الخاص مع تقليص حجم الشركات الخاصة الناجحة.
ومما لا شك فيه أن محاولات الحكومة لحل تلك التضاربات تحت ستار الاشتراكية السوقية ستؤدي في نهاية المطاف إلى مزيد من العثرات والأضرار. فمنهج السياسات هذا، رغم قيامه على أهداف سليمة، قد يؤجج حالة عدم اليقين والتقلبات على المدى القصير، ما قد يحد بدوره من التأييد الشعبي للإصلاحات الملحة لدعم الإنتاجية والنمو على المدى الطويل.
وهكذا، تبدو ركائز النمو الصيني هشة من المنظورين التاريخي والتحليلي. وحتى في حال عدم وقوع أي أزمات، سيكون النمو في الصين مقيدا بالعوامل الديموغرافية غير المواتية، وارتفاع مستويات الدين، وعدم كفاءة النظام المالي. ولكن إذا استطاعت الحكومة الاستفادة من فرصها، جاز لنا أن نتوقع مستقبلا أفضل للاقتصاد الصيني - أي تحقيق معدلات نمو معتدلة وأكثر استدامة من المنظور الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.