default Author

الجمال .. إدمان وسموم

|

انظر إلى أي تجمع نسائي اليوم، فستجد وجوها غير التي تعودت عليها، حواجب مرفوعة وجفونا مقصوصة وخدودا ممسوسة وفكا محددا وشفاها منفوخة. وجوها فقدت ملامحها ونسختها الأصلية، مغلفة بكمية من المساحيق والألوان، وكأنك تشاهد دمى أو مسرحا للعرائس، ذهبت تلك الوجوه الطبيعية بكل ما منحها الله من ميزات وعيوب، وحلت محلها وجوه صناعية!
لا مانع من لمسات تقلل من حدة آثار مرور الزمن، وتحافظ على نضارة وصحة البشرة ومظهرها الشاب دون مبالغة، رغم أن شباب الروح هو ما يضفي ذلك السحر الخفي الذي تلاحظه ولا تعرف له سببا. ليست شعارات، لكن حقيقة، جمال الروح هو الباقي وهو المستحضر التجميلي الذي تصنعه لنفسك، لتبدو بشرتك في غاية الجمال والجاذبية.
إعلانات تحاصرك في الشوارع والمولات والتلفزيون، وكلما فتحت جوالك يطل عليك أحد منتجات التجميل، بتأثيره السحري والساحر، وفي الحقيقة نقول سامح الله الفوتوشوب من كثرة الجرائم التي ارتكبها في حقنا، صور لجميلات ببشرة صافية ورموش كحد السيف تقتل كل من مر بجانبها، وجسد ممشوق خال من الترهلات، ليقنعوك بأن هذا ما يجب أن تكون عليه المرأة.
فلم يعد استخدام منتجات التجميل خيارا أمام النساء، بل تحول إلى ثقافة وإدمان، تتشكل منهما أفكار النساء ونظرتهن الداخلية لأنفسهن، يلهثن خلف الموضة ويبذلن الغالي والنفيس للحصول على منتجات قد تكون سامة ومزيفة، رغم كل ما يبذل من جهود وطنية للتحقق من سلامة ومأمونية مستحضرات التجميل، إلا أنها قد تحتوي على مواد كيميائية ضارة مثل الزئبق، الرصاص، البارابين، والفثالات، فالزئبق، على سبيل المثال، يمكن أن يسبب مشكلات صحية خطيرة وأضرارا للكلى والجهاز العصبي، والفثالات قد ترتبط باضطراب الهرمونات وتؤثر سلبا في النظام التناسلي، والفينولات قد تسبب ظهور البهاق لدى بعض الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي مع البهاق.
امتصاص الجلد المواد الكيميائية التي تدخل في تركيبة هذه المستحضرات، يجعله مع مرور الوقت يفقد نضارته الطبيعية، وتبدأ التجاعيد في الظهور، وهو ما يدفع البعض إلى زيادة كمية المساحيق لإخفاء تلك العيوب، وهذا بدوره يعرض البشرة أكثر لأمراض الحساسية والطفح الجلدي، الذي قد يتطور إلى السرطان. سموم الجمال لا تقتصر على المواد الكيميائية فقط، بل تمتد إلى سموم نفسية، تنشأ وتترسب في عقول وأجساد النساء. نتيجة وضع أنفسهن في مقارنة مستمرة بين واقعهن وصورة الجمال المثالية التي يفرضها المجتمع. فأمام كل صورة جديدة أو منتج، يبتعدن عن هويتهن الحقيقية، ويقتربن من الخطر.

إنشرها