Author

كشف المستور

|

أدى الوصول المباشر غير المسبوق إلى الآخرين من خلال برامج التواصل الاجتماعي، وما يمثله من انفتاح كامل على العادات والتقاليد والتجاوزات والحالات الشاذة، أدى إلى تكوين طبقة من الجمود في العلاقات الشخصية التي كنا نتعارف عليها ونستخدمها في الحكم على الآخرين. كان ما يراه الناس من الأشخاص والمجتمعات منتقى إلى درجة جعلت كثيرين ممن نعرفهم يظهرون أمامنا بنقاوة قل أن تجدها في البشر.
ما يتم تداوله ـ الآن ـ من قبل كل المتعاملين مع الشخص، له الأثر الأكبر في رؤية بانورامية لم تكن متوافرة في السابق، فأصبح الشخص والمجتمع بكليته تحت المجهر من جميع الجهات أو 360 درجة. يعلم العقلاء أن هناك ملائكة وهناك بشر، وليس من البشر من يستطيع أن يدعي الكمال، لكن ما نشاهده من كشف للمستور جعلنا نرى كمال أشخاص ـ بعينهم ـ بدرجة معكوسة. أي إن الأشخاص الذين كانوا منفتحين وينظر إليهم المجتمع بنظرة الناقد أو المنكر أضحوا أكثر صفاء وبريقا من آخرين "كنا نعدهم من الأخيار" كما ورد في الآية الكريمة عند الكشف الأعظم للأحوال في الآخرة. هذا الكشف للأحوال في أغلبه غير محبذ، إلا في حالات رفع الظلم أو منع العدوان والجريمة وغيرها من حالات حفظ الحقوق. لكن وجوده يدفعنا جميعا إلى محاولة البقاء على الطريق القويم الذي يحمي الأسرة ويحمي المجتمع ويحمي الوطن بكليته.
هذه الخاطرة جاءتني وأنا أراقب الكم الكبير من التناحر الذي تنتجه وسائل التواصل تلك، والكم الغريب من الاتباع لمن يظهرون بمظهر الغباء ليستخدموه في تسلية الآخرين وكسب قلوبهم ومن ثم أموالهم. مجموعات مشاهير تبني على بث السخرية والشماتة والرفض لكثير مما عددناه صحيحا ومثاليا، بسبب اتجاهها إلى الفئات الأكثر تململا أو قلقا في المجتمعات، وآخرين لديهم من الفراغ ما يبعثهم للبحث عن أي شيء لملء ذلك الفراغ.
الواضح أن المتابعة اختلفت، وأن شروط الشهرة تغيرت، وأن محاولات إخفاء العيوب تعيش مراحلها النهائية تحت وطأة الكاميرات والتصوير المستمر لكل شيء وأي شيء وأي شخص ـ بالذات. قد يدعو هذا إلى جعل الواحد أكثر حرصا فيما يقول، وأين يوجد وماذا يشاهد، وهذا كله مهم، إلا أنه لا بد أن ينبع من القناعة الشخصية، وليس الخوف من الفضيحة، سترنا الله وإياكم.

إنشرها