«كوب 28»

"اتفاقية الإمارات" في COP 28 حول المناخ مهمة لنا، لأن الإجماع يكون بينما الدول المنتجة للبترول استطاعت تحقيق أهدافها. ربما أهم إجماع بعد اتفاقية باريس، حيث لم يسجل اختراقات مؤثرة في اتفاقيات كلاسكو أو شرم الشيخ، وكأن العالم في انتظار ضيافة دول نفطية تربطها بالمملكة علاقة عميقة. لن أدخل في خلفية الجدل ومسبباته، لسببين، الأول، أنه يبعدنا عن الحيثيات الاقتصادية العملية، والثاني، أن العالم تجاوز الجدل حول المناخ. تبعات الإجماع جزء من التكيف الاقتصادي والعلمي مع التوجهات العالمية، وهذا محك مفصلي للاقتصاد التنموي، خاصة أن الوقود الأحفوري كان في صلب النقاش في هذه الجولة. لذلك كان ولا يزال دور المملكة رئيسا في كل اتفاقيات "الكوب". يقود هذا الدور الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة المحنك وفريقه المتمكن علميا ومراسا. هناك ثلاث نقاط رئيسة في الاتفاقية.
الأولى، ظهرت في تركيز هذه الجولة من التجمع على دور الطاقة الأحفورية "الفحم/ النفط/ الغاز"، المصطلحات جوهرية في مثل هذه الاتفاقيات، لأنها تهيئ لما بعدها، على الرغم من أن هذه الاتفاقيات غير ملزمة، لكنها تضعنا أمام توجه جديد. الجدل كان بين توظيف مصطلح "التخلص من الأحفوري" PHASE OUT وبين الانتقال من الأحفوري TRANSTION OUT. في هذه استطاعت الدول المنتجة للنفط "المنتجة والنامية التي تعتمد عليه" توظيف مصطلح الانتقال من الأحفوري إلى الطاقة المتجددة. الفرق المهم أن الانتقال يعني الاختيار لكل دولة حسب ظروفها الموضوعية وطبيعة دور درجة الانتقال.
الثانية، خيارات مصادر الطاقة، خيارات من قائمة طويلة تختلف في درجة التأثير في المناخ، وبالتالي بطبعها لا بد أن الحسابات الاقتصادية التدرجية عامل منظم للخيارات بما تتضمن من تأثير في المستفيدين والمتضررين والطامحين، فالفحم كما سبق أن كتبت يعد السد الأول قبل النفط والغاز، لأنه الأعلى تلوثا. الخيارات تعني قبول المراحل المختلفة التي تمر بها كل الدول. هنا لا بد من التنويه إلى أول مرحلة في تصنيف الدول بين المتقدمة أو الغنية التي أقل سكانا "وفي تناقص"، وفي الأغلب أقل نموا اقتصاديا، وربما الأهم أقل كثافة في توظيف الطاقة "توظيف الطاقة كنسبة من الدخل القومي الإجمالي، والدول النامية الأكثر سكانا ونموا سكانيا وفي الأغلب أعلى نموا اقتصاديا، والأقل توظيفا للطاقة أيا كان مصدرها، وبالتالي في حاجة ظاهرة "توفر الكهرباء والمنافع الأخرى لمئات الملايين "وكامنة" مقارنة بالدول الغنية، وبالتالي فرصة النمو في توظيف الطاقة أيا كان مصدرها، خاصة الأحفورية، لأنها الأقل تكلفة. فحتى شركات النفط العالمية رحبت بالاتفاقية. تتعقد الخيارات أيضا من حيث اختلافات مصادر الطاقة المتجددة، فمثلا الذرية مرتفعة التكلفة في التأسيس واليورانيوم يحظى بتوزيع طبيعي أكثر تركيزا حتى من النفط، وكذلك المعادن الأخرى الضرورية لصناعات بطاريات السيارات الكهربائية، بما يتضمن ذلك من دور للتعدين من تكلفة ومخاطر وتأخير وحتى تلوث البيئة، وارتفاع واختلاف توزيع التكاليف المالية.
الثالثة، الحاضر الغائب في المؤتمر، التكلفة المالية في ظل حاجة الدول النامية إلى تمويل الطاقة ونتائج بعض التأثيرات المناخية والتحول المطلوب، خاصة أن تكاليف مصادر الطاقة البديلة في ارتفاع، بل إنه حتى الدول الغنية ألغت مشاريع مهمة في أوروبا وأمريكا بسبب التكاليف المرتفعة إلى حد جعلها غير اقتصادية، كذلك شهدنا تراجع شركات كـ"فورد" عن إنتاج السيارات الكهربائية بسبب التكلفة، وبالتالي عدم رغبة العملاء. لكن التكلفة المالية تأتي أيضا بسبب الضغوط المالية من التحديات الأمنية عالميا وحجم الديون التي وصلت إلى مستوى عال، فربع الدول النامية تعاني ماليا طبقا للبنك الدولي.
إجمالا ليس هناك خطر على النفط أو الغاز بسبب الحاجة إلى كل مصادر الطاقة، إذ إن الفحم ما زال يوظف لتوليد الكهرباء حتى في أمريكا، بل إن التوجهات العالمية تحمل فرصة للمملكة وغيرها من توظيف الاتجاهات الجديدة كآلية لتسخير القرار الاقتصادي في الطاقة لقيادة التحول، ليس في الطاقة فقط، لكن من منظار التنمية الاقتصادية الأوسع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي