نداء الأعماق
أصوات الكائنات تأتي من العمق لتكشف لنا عن حياة ظلت غامضة ومجهولة بالنسبة إلينا نحن البشر ولعقود، لكن مع حالة الصمت التي سادت أثناء جائحة كورونا واختفاء ضجيج البشر بآلاتهم ومعداتهم ومركباتهم في البر والبحر والجو، أصبح بالإمكان سماع صوت الطبيعة، لقد كانت فرصة لا تعوض بالنسبة إلى العلماء والباحثين. فصمت البشر أمر نادر الحدوث!
استغل العالم هرفي جلوتين هذه الفرصة وقرر القيام برحلة صوتية أو السفر بصمت في أرجاء البحر الأبيض المتوسط، لرصد وتسجيل ما يحدث تحت سطح البحر بوساطة طائرات عائمة دون طيار، مزودة بسماعات مائية شديدة الحساسية، تم ربطها ببرنامج ذكاء اصطناعي قادر على عزل أصوات الحيتان المهددة بالانقراض، فهناك في الأعماق تكاد تنعدم الرؤية، لذا ترى الكائنات هناك بالصوت، لذا فإن عالمها عبارة عن خريطة أو منظر طبيعي صوتي مكون من أصداء وانعكاسات للإشارات التي ترسلها إلى هذا العالم أو تستقبلها من المخلوقات الأخرى لو كانت في أقصى نقطة في المحيط.
يقول جلوتين: تمكنا من سماع سلسلة من النقرات الخفيفة، يتبعها صوت ضخم وهذا الأصوات هي وسيلة حيتان العنبر لرؤية بيئتها، ومن خلال تلك النقرات نستطيع معرفة حجم الحوت فصدى الأصوات والإشارات يتردد لفترات تناسب مع حجم رأس الحوت، فالرؤوس الأكبر حجما توجد صدى أكبر. كما يمكن معرفة الاتجاه الذي ترسل النقرة إليه، وبالتالي فهي توضح الاتجاه الذي ينظر إليه الحيوان!
حتى الأعشاب في الأعماق لها صوت، وقد تمكن العلماء من رصد صوت عشبة بوسيدون والأعشاب الشريطية لمدة خمسة أعوام وتسجيله، لمعرفة ما إذا كانت سليمة أم لا، لأنها تعد رئتي البحر وملجأ للأسماك. وتتأثر الأسماك بالأصوات الخارجية اعتمادا على قوتها، ويتراوح التأثير من الاختفاء إلى الاضطراب السلوكي. ومثلها الطيور فحساسية العقاب النساري مثلا قللت من فرص تكاثره، ففي سبعينات القرن الماضي لا يوجد منها سوى اثنين فقط، وبعد توفير منطقة هادئة وصل عددها اليوم إلى 38 زوجا!
وعلى كوكبنا الذي استأثر به البشر تحاول الدول بالمحميات الحفاظ على الحياة الفطرية والتوازن البيئي، فزيادة أعداد البشر ونشاطاتهم تسهم في انحدار التنوع البيولوجي. لذا يتحتم علينا نحن البشر الاستفادة من جائحة كورونا والتقليل من الضوضاء والأنشطة، لكي نتمكن من سماع أصوات أو لغة الطبيعة وفهمها. إن هدف العلماء الأساس الذي يسعون إلى تحقيقه فهم نغمات الأحياء البحرية وصيحاتها وصمتها، والاستفادة من هذه المعلومات وتسخيرها للحفاظ علـى التنوع البيئي على كوكبنا، ومنح شركائنا في هذه الأرض حق العيش والتكاثر بسلام.