التعود على النعم
أكثر شيء يخيفني في هذا الزمن هو تعود أجيالنا على النعم إلى تلك الدرجة التي لم يعودوا يشعرون بقيمتها ويؤدون حق الله بشكرها والإحساس بالامتنان لوجودها في حياتهم، هذا الزحام من النعم الصغيرة والكبيرة الذي ترفل فيه أجيالنا يجب علينا كآباء وأمهات ومربين أن نزرع مقابله أهمية الشكر والامتنان في نفوسهم.
الأسبوع الماضي كنت في زيارة لإحدى الصديقات وجاء طفلها الطالب في الابتدائية يطلب منها مالا ليشتري وجبة من المطعم فأخبرته أنها قامت بتجهيز بوفيه متكامل من الطبخات اللذيذة، فامتعض وأصر على طلبه فما كان منها إلا أن وافقت مكرهة، بعد تناولنا طعام العشاء وجلوسنا لشرب الشاي جاء طفلها مرة أخرى وفي يده وجبته كاملة لم يفتحها ويسأل أمه ماذا يفعل بها؟ فطلبت منه أن يعطيها السائق حين استفسرت من صديقتي كنت كمن يلقي حجرا في بركة راكدة، بدأت في إخباري عن معاناتها مع أبنائها في عدم تقدير النعم التي يرفلون بها وأنهم دوما يطلبون مزيدا ولا يعجبهم أكل البيت الذي في الأغلب يبقى في قدوره لليوم التالي حيث يوضع في الأماكن الفضاء للطيور، كما اشتكت من عدم شعورهم بالقناعة بما لديهم ورغبتهم في شراء مزيد من الطلبات من المواقع الإلكترونية، أكثر جملة استوقفتني في شكواها حين قالت لي بالحرف الواحد "أخاف من كثر ما هم معتادين على النعم أنهم ما عاد يحسون بقيمتها"!
التعود على النعم حتى تألفها النفس وتظن أنها حق مكتسب دائم هو كارثة حقيقية تستدعي التوقف للتفكير، لذلك علموا أجيالكم:
- أن تنهض صباحا بكامل عافيتك دون مساعدة من أحد، بينما غيرك قضى ليلته مصارعا للأوجاع في المستشفى فتلك نعمة.
- أن يمر عليك يوم كامل لم تفقد فيه أحد أحبتك، بينما غيرك قلبه يتمزق من ألم الفقد والحزن فتلك نعمة.
- أن تجد طعامك كل يوم ولا تحمل هم توفيره، بينما غيرك يحلم بلقمة صغيرة مما تأكل فتلك نعمة.
- أن تعيش في منزل تحميك جدرانه صقيع الشتاء ولهيب الصيف، بينما غيرك يرقد فوق أرصفة الشوارع فتلك نعمة.
- أن تخرج وتدخل وأنت تشعر بالأمان على بيتك وأهلك، بينما غيرك يخفق قلبه خوفا من انعدام الأمن فتلك نعمة.
لتدرك أهمية كل نعمة في حياتك، تخيل حرمانك منها، تخيل أنك محروم من نعمة السيارة والطعام والماء والكهرباء والأمن والأهل والعافية والمنزل والوظيفة والستر ووووو!
وخزة
يقول أحد السلف: "أحسنوا جوار النعم فإنها وحشية، قيدوها بالشكر فإنها ما نأت عن قوم فعادت إليهم".