الاستقرار المالي والقدرة والإرادة على التصرف
يواجه المشرفون في عديد من الدول ظروفا تحد من فاعليتهم. إن رفع المستوى يتطلب الاستقلال مع تفويضات واضحة، وسلطات معززة، وموارد أكبر، وأساليب أكثر فاعلية.
إن الحفاظ على سلامة البنوك، وترسيخ الاستقرار المالي، يعتمدان بقدر كبير على الإشراف الجيد بقدر ما يعتمدان على الإدارة الفاعلة للمخاطر والحوكمة في البنوك، والتنظيم القوي، والأسواق اليقظة.
وشهدنا ذلك في وقت سابق من هذا العام، حيث تسببت الاضطرابات في القطاع المصرفي في طرح ثلاثة أسئلة: هل ممارسات إدارة المخاطر في البنوك قوية بالقدر الكافي؟ هل التنظيم التحوطي كاف؟ هل الرقابة المصرفية فاعلة أم يمكن تحسينها؟
في حين يتم تكريس قدر كبير من الاهتمام عادة للتحديث المطلوب للأنظمة في أعقاب فترات الضائقة المصرفية، فإن رفع مستوى الفاعلية الإشرافية يمكن أن يترك دون الاهتمام المقابل ـ على الرغم من أن تحليلنا يظهر باستمرار أنه أساس للاستقرار المصرفي والمالي.
في بحث جديد بعنوان "الإشراف الجيد: دروس من الميدان"، نتأمل في الدروس المستفادة من الاضطرابات المصرفية الأخيرة في الولايات المتحدة وسويسرا، ونستعرض التقدم المحرز في مختلف الدول في توفير الإشراف الفاعل، بالاعتماد على أعمال المراقبة وبناء القدرات التي يقوم بها صندوق النقد الدولي من الأعوام العشرة الماضية.
قد ينظر إلى الإشراف الجيد على أنه موقع بناء، حيث يجتمع التصميم والمواد والمهارة معا لتبلغ ذروتها في هيكل مرن. يحتاج المشرفون إلى الاستقلال التشغيلي لتنفيذ مهامهم دون ضغوط خارجية، إلى جانب المساءلة. إنهم بحاجة إلى تفويض واضح لضمان تركيزهم على بؤر التوتر الصحيحة. وهم بحاجة إلى صلاحيات قانونية كافية لدعم أفعالهم. إن الموارد الكافية، ومجموعات المهارات المناسبة، وتطبيق الحكم السليم والتحليل العميق بناء على الوعي الظرفي الدقيق للتوقعات والمخاطر ونقاط الضعف، تعد أيضا أمرا حيويا للمشرفين الذين يتخذون إجراءات حاسمة في الوقت المناسب.
لقد سلطت الأزمة المالية العالمية الضوء على أهمية ضرورة أن تكون الجهات الرقابية حازمة ومتدخلة، أي إظهار الإرادة والقدرة على التصرف. أدى تحديث المعايير العالمية للرقابة المصرفية في 2012 -مبادئ بازل الأساسية- إلى رفع التوقعات من أن يأخذ المشرفون في الحسبان الاتجاهات الاقتصادية والتجارية، فضلا عن تراكم المخاطر وتركيزها داخل القطاع المصرفي وخارجه. لقد ثبت أن الإشراف "الخفيف"، الذي كثيرا ما يتم الاستناد إليه كجزء من الجهود الرامية إلى تشجيع النشاط الاقتصادي وتعزيز المنافسة، غير ناجح ـ وقد أعقبت ذلك ضائقة مؤسسية ومنهجية، وكان اللوم حتما، بعد وقوع الحدث، على غياب التدابير التداخلية والنظامية.
أولا، الأخبار الجيدة. وقد توصلت مراجعتنا إلى تقدم كبير في مراقبة المخاطر وتحليلها في الدول المتقدمة والناشئة والنامية، حيث أدرج عديد منها أساليب إشرافية تطلعية، وفي بعض الحالات قامت بتسخير أدوات كثيفة البيانات تعتمد على التكنولوجيا.
كما كان اعتماد اختبارات الإجهاد على نطاق أوسع بمنزلة تقدم كبير. وتساعد هذه الأدوات على توسيع وجهات نظر الجهات الرقابية بشأن التهديدات التي تواجه البنوك الفردية، والقطاع المصرفي، والنظام المالي، بما يتجاوز البيانات التاريخية والتجارب السابقة. على نحو مماثل، أصبح تحليل نماذج الأعمال جزءا لا يتجزأ من الأطر الإشرافية في عديد من الدول، ما يساعد على الكشف عن نقاط الضعف في وقت مبكر ونقلها في حوارها مع البنوك.
لكن التقدم في مجال الإشراف لم يكن كافيا في جوانب أساسية. وتظهر النتائج التي توصلنا إليها أن أكثر من نصف الولايات القضائية ليس لديها مشرفون مصرفيون مستقلون يتمتعون بتفويض واضح للسلامة والسلامة، أو يتمتعون بحوكمة داخلية سليمة، أو يتمتعون بالموارد المناسبة للمسؤوليات الموكلة إليهم. ولا تزال أوجه القصور قائمة أيضا في الأساليب والتقنيات والأدوات الإشرافية و"استخدام" السلطات التصحيحية والمعاقبة.
نتيجة لذلك، لا يزال اتخاذ الإجراءات في الوقت المناسب بناء على النتائج الإشرافية يمثل تحديا. ويضيف التطور الهيكلي المستمر للقطاع المالي، مثل نمو الوساطة المالية غير المصرفية، ورقمنة التمويل، وتغير المناخ، إلى التحديات الإشرافية ويجعل نقاط الضعف هذه أكثر أهمية.
يتطلب رفع مستوى الإشراف على المهمة المطروحة العمل على أربع جبهات مهمة: اتباع نهج أكثر انتظاما في مطالبة البنوك بتجاوز العتبات التنظيمية الكمية والقواعد التحوطية عندما تكون المخاطر التجارية والمالية الكلية مرتفعة.
التغلب على الميل إلى نقص تخصيص الموارد والاهتمام لجميع البنوك باستثناء البنوك الكبرى، حيث إن نقاط الضعف في البنوك الأصغر يمكن أن تؤدي أيضا إلى إحداث تأثيرات نظامية سلبية أو تضخيمها. التأكد من توافر مشرفين مدربين وذوي خبرة ويمكنهم تركيز الاهتمام على الحوكمة ونماذج الأعمال وإدارة المخاطر في البنوك. من خلال عمليات صنع القرار وتصعيد الإجراءات التي تكون واضحة وفاعلة.
لكن الجهود التي يبذلها المشرفون وحدهم لن تكون كافية. وهناك حاجة إلى اهتمام صناع السياسات الآخرين، بما في ذلك البرلمانات، لضمان وجود هيكل إشرافي يقظ ومستقل ومزود بموارد جيدة وخاضع للمساءلة. تعمل الأسس المؤسسية القوية على تعزيز إرادة المشرفين وقدرتهم على التصرف، كما أن تطهير نقاط الضعف المتصورة أو الفعلية أمام تأثير الحكومة أو الصناعة سيحقق أرباحا كبيرة.