المشهد السياسي في تايوان قبل الانتخابات
بمجرد أن حددت لجنة الانتخابات المركزية في تايوان 12 يناير 2024 موعدا لإجراء انتخاب رئيس ونائب رئيس جديدين للبلاد مع 13 عضوا من أعضاء البرلمان، اتجهت بوصلة وسائل الإعلام الآسيوية والعالمية إلى هذا البلد المعزول دوليا لرصد مشهده السياسي في مرحلة ما قبل إجراء الانتخابات المذكورة، التي يمكن أن تؤثر في الجغرافيا السياسية العالمية لأعوام مقبلة، وربما حددت نتائجها مصير علاقات البلاد مع بكين، التي تعدها جزءا لا يتجزأ من أراضيها وتطالب باستعادتها، بل أصبحت بؤرة التوتر الأقوى في العلاقات الأمريكية ـ الصينية المشحونة، ومصدرا لقلق جميع أقطار الشرق الأقصى والعالم.
لعل ما أغرى المراقبين والمحللين أكثر لمتابعة المشهد التايواني هو أن انتخابات رئاسة البلديات والمقاطعات التي جرت هناك هذا الشهر أسفرت عن فوز حزب الكومينتانج المعارض بحصوله على 13 مقعدا من أصل 21 جرى التنافس عليها بما فيها مقعد العاصمة تايبيه. وأدت هذه الهزيمة المذلة للحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم إلى استقالة السيدة تساي إينج وين "تترأس تايوان منذ 2016" من منصبها كزعيمة للحزب، اعترافا بفشل مخططاتها لتصوير الانتخابات المحلية كورقة تخويل شعبي للمضي قدما في سياساتها المناوئة لبكين.
المعروف أن حزب الكومينتانج، الذي استقطع تايوان من السيادة الصينية بقيادة الماريشال تشيانج كاي شيك "1887 ـ 1975" في 1949، وأقام عليها دولة مزدهرة منفصلة، وأدارها بكفاءة على مدى عقود صار اليوم، في مفارقة غريبة، يدعم إقامة علاقات وثيقة مع الصين. والمعروف أيضا أن الكومينتانج تراجعت حظوظه في العودة مجددا إلى الحكم منذ خسارته انتخابات عام 2020 الرئاسية، بل فشل في أربعة استفتاءات أجراها لإظهار عدم ثقة التايوانيين بإدارة الحزب الحاكم للبلاد. لكنه يحاول اليوم أن يفوز في انتخابات العام المقبل عبر عقد تحالفات وشراكة انتخابية مع الحزب المعارض الآخر، وهو حزب الشعب التايواني برئاسة كو وين جي، الذي يعد حاليا أحد المرشحين الأقوياء للفوز برئاسة تايوان.
على الرغم من أن الحزبين المعارضين الرئيسين اتفقا على توحيد جهودهما لإخراج الحزب الحاكم من السلطة عبر تنظيم حملات مشتركة، بدعوى أن بقاء الأخير في السلطة سيزيد من مخاطر نشوب حرب مع الصين، وأن فوزهما هو وحده الذي سيضمن السلام في مضيق تايوان، إلا أن اختلافهما في كثير من التفاصيل قد يعجل بانهيار ما اتفقا عليه، بل إن هذا ما حدث فعلا في الأسبوع الماضي حينما اختلفا حول تحديد مرشحهما لخوض السباق الرئاسي المقبل في يناير أمام مرشح الحزب الحاكم نائب الرئيس لاي تشينج تي، علما بأن مرشح الكومينتانج هو عمدة تايبيه الجديد هو يو إيه، بينما مرشح حزب الشعب هو رئيسه كو وين جي.
في هذه الأثناء واصلت بكين مناوراتها العسكرية المعتادة في مضيق تايوان من باب الضغط على المشهد السياسي، وترجيح كفة دعاة السلام والتعاون معها في مواجهة من تصفهم بالانفصاليين الخاضعين لمرئيات وسياسات واشنطن التي تعدهم بالمساعدة. في الوقت نفسه، لم تخف بكين تشجيعها لحزبي المعارضة الرئيسين في تايوان على التعاون والتحالف والاتفاق على مرشح قوي واحد.
بينما راحت الخلافات تزداد في معسكر المعارضة، ويحتد الجدل حول الشخصية الأجدر بخوض معركة الرئاسة المقبلة، ونسبة تفوقه في استطلاعات الرأي، ونسبة الخطأ في كل استطلاع، كان الحزب الحاكم يزداد تفاؤلا بفوز يبقيه في السلطة. فالأخير لم يحدد فقط مرشحه للرئاسة، بل حدد أيضا من سيرافقه على البطاقة الانتخابية كمرشح لمنصب نائب الرئيس، حيث اختار هسياو بي كيم، ممثلة تايوان لدى الولايات المتحدة -المستقيلة حديثا من منصبها- كمرشحة لنيابة الرئاسة. هذه السيدة المولودة في اليابان عام 1971 من أب تايواني وأم أمريكية، التي عملت مشرعة في البرلمان التايواني من 2002 إلى 2008 قبل أن تتولى منصبها في واشنطن عام 2020 لطالما أثارت قادة البر الصيني بمواقفها المضادة لبكين، إلى درجة أن المتحدث باسم مكتب شؤون تايوان التابع لمجلس الدولة الصيني وصفها في أغسطس 2022 بالشخصية المستفزة التي سيحاسبها التاريخ، متهما إياها بالسعي لاستقلال تايوان، وتحريض شخصيات سياسية أمريكية على زيارة تايبيه، وتأييد شراء أسلحة أمريكية للقوات التايوانية، مضيفا "إن نهاية أي شخص يخون المصالح الوطنية، وينخرط في الأنشطة الانفصالية الساعية لما يسمى (استقلال تايوان) لن تكون جيدة"، طبقا لما نقلته وكالة أنباء الصين الرسمية "شينخوا" ويخشى المراقبون أن تتبنى تايبيه، بوجود شخصية مثل هذه السيدة في مراكز القرار الأعلى، سياسات استقلالية أكثر تطرفا، وهو ما قد يؤجج الوضع، ويدفع بكين إلى اتخاذ قرار باستعادة تايوان بالقوة.