الاقتصاد الوطني .. عقد زمني واعد بالنمو المستدام
يترقب الاقتصاد الوطني خلال العقد المقبل تطورات عملاقة جدا، يؤمل -بمشيئة الله تعالى- أن تنعكس بمزيد من الاستقرار المستدام للنمو الحقيقي، وبمزيد من مئات آلاف فرص العمل المجدية في القطاع الخاص، وبمزيد من تنوع قاعدة الإنتاج المحلية. يعزى هذا التفاؤل الكبير بمستقبل الاقتصاد الوطني إلى عوامل واسعة جدا، يجري الحديث عنها في الوقت الراهن ضمن عديد من المتغيرات المرتبطة بمناسبات كبرى سيتم احتضانها محليا خلال العقد المقبل، إلا أن الجانب الأبرز والأهم الذي لا يمكن التقدم عليه من بين تلك العوامل، ما هو متمثل في جانب الإصلاحات والتطوير الهيكلي التي خضع لها الاقتصاد الكلي منذ منتصف 2016 حتى تاريخه، وستستمر -بمشيئة الله تعالى- خلال الأعوام المقبلة تحت مظلة رؤية المملكة 2030، التي تحظى بالأهمية القصوى، والوزن النسبي الأكبر في خضم التطورات الراهنة والمستقبلية المرتقبة، كان من ثمارها الأولية القفز بحجم الاقتصاد الحقيقي خلال 2016-2023 بمعدل تراكمي تجاوز 15.4 في المائة (متوسط سنوي 2.1 في المائة)، بينما قفز حجم الاقتصاد غير النفطي بمعدل حقيقي تراكمي للفترة نفسها بأعلى من 19.5 في المائة (متوسط سنوي 2.6 في المائة)، حظي النمو الحقيقي للقطاع الخاص فيه خلال الفترة نفسها بنمو تراكمي تجاوز 21.4 في المائة (متوسط سنوي 2.8 في المائة)، ودفع بدوره إلى نمو العمالة المواطنة في منشآته بمتوسط سنوي بلغ 4.5 في المائة، لتقفز من 1.6 مليون عامل بنهاية 2016 إلى نحو 2.3 مليون عامل بنهاية الربع الثالث من العام الجاري.
وبالنظر إلى فترة الأعوام السبعة المقبلة حتى حلول نهاية 2030، ومقارنتها مع الفترة نفسها الماضية المماثلة لها في عدد الأعوام، فلا بد من الأخذ في الحسبان عددا من الفوارق المهمة، من أبرزها: أن الفترة الأولى مثلت بداية الإصلاحات، التي في الأغلب ما تكون تكاليفها وتداعياتها أكبر من عوائدها. الأمر الآخر أن الفترة الأولى تخللها اصطدام الاقتصاد العالمي بتداعيات الجائحة العالمية كوفيد - 19، واستغرقت ضغوطها الأكبر نحو ثلاثة أعوام على جميع الاقتصادات والأسواق، وقبل أن يستفيق الاقتصاد العالمي من صدمتها، سرعان ما اصطدم بموجة التضخم الأكبر منذ أربعة عقود زمنية مضت، لتبدأ البنوك المركزية حول العالم تشديد سياساتها النقدية وبدأ رفع معدلات الفائدة بوتيرة متسارعة، ورغم كل تلك التداعيات العكسية على مستوى الاقتصاد العالمي برمته، ومن ضمنه بالتأكيد الاقتصاد السعودي، فقد تمكن -بحمد الله- من تحقيق المكتسبات الاقتصادية والمالية اللافتة المشار إلى جزء منها أعلاه.
بناء على ما تقدم ذكره سالفا، وبالإشارة إلى المناسبات والتطورات الكبيرة المرتقبة في مستقبل الأعوام السبعة المقبلة تحديدا، وخلال العقد الزمني المقبل بصورة أوسع، يمكن الاعتماد على توقعات اقتصادية أفضل -بمشيئة الله تعالى- بالنسبة إلى الاقتصاد الوطني، التي من شأنها أن تدفع بوتيرة النمو المستدام والشامل بمعدلات أفضل مما حدث خلال الفترة الماضية، ويمتد ذلك أيضا إلى التوقعات الأكثر تفاؤلا بشأن فرص العمل أمام الموارد البشرية المواطنة، والأخذ في الحسبان أن جزءا كبيرا مما كان محسوبا خلال الفترة الماضية على جانب تكاليف الإصلاحات الهيكلية بالتزامن مع بداية عهدها، سيتحول إلى جانب الممكنات التي ستتيح للاقتصاد الوطني فرصا أكبر وأوسع، وهذا جانب جوهري بالغ الأهمية يزداد وزنه النسبي الإيجابي عاما بعد عام، إضافة إلى أن الفترة الزمنية المقبلة، ستكون فترة جني المكاسب الاقتصادية والمالية والاجتماعية من عشرات المبادرات والبرامج التي تم إقرارها خلال الفترة الماضية، وهو ما سيدفع بمزيد من متانة الاقتصاد الوطني، ويضاعف من قدرته على النمو بمعدلات أكبر وأسرع بتوفيق الله.
الأمر الآخر من الصورة ذلك المرتبط بتوقعات الاقتصاد العالمي، التي تعرضت لكثير من الخفض من قبل الهيئات والمؤسسات الدولية (صندوق النقد والبنك الدوليين)، قياسا على عديد من الاعتبارات المرتبطة بالسياسات المتشددة للبنوك المركزية، والآثار العكسية المتوقعة لها على الاقتصادات والأسواق، إضافة إلى تصاعد وتيرة الاضطرابات الجيوسياسية في كثير من أنحاء العالم، وزيادة احتمالات تصاعدها إلى مستويات مقلقة إلى حد بعيد وفق توقعات عديد من الدول والهيئات الدولية، كل هذا بالتأكيد قد رسم صورة في إطارها الواسع بشكل غير موات لمستقبل الاقتصاد العالمي خلال 2024-2026 على أقل تقدير، ولا يمكن القفز على تلك التوقعات المستندة إلى واقع قائم على الأرض خلال الفترة الراهنة، ولا يمكن أيضا تجاهله في خضم وضع التصورات والتوقعات المستقبلية لأي اقتصاد أو سوق حول العالم، وأنه يقتضي بالتأكيد أخذه في الحسبان، والتحوط تجاه مخاطره منذ اللحظة بمزيد من الاحتياطيات والخطط والبرامج البديلة، وهو ما أشار إليه البيان التمهيدي الأخير للميزانية العامة للدولة 2024، كان من أهم ما أشار إليه في خصوصها، أنه سيؤدي تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، واستمرار الموجة التضخمية إلى حدوث تداعيات سلبية محتملة على الاقتصاد المحلي، وأنه يزيد احتمالات ارتفاع معدلات التضخم المحلية، ما قد يتسبب في تراجع الطلب وانخفاض مؤشرات الاستهلاك المحلي، وسيحدث كل ذلك إلى جانب استمرار ارتفاع معدلات الفائدة، والتأثير السلبي المحتمل لكل ذلك على تباطؤ نمو الأنشطة الاستثمارية محليا، أخذا في الحسبان أن تشديد السياسة النقدية الذي انتهجته أغلبية البنوك المركزية حول العالم، أدى إلى رفع تكاليف الاقتراض/التمويل وتباطؤ النمو الائتماني.
أمام كل تلك التوقعات، أشار البيان التمهيدي للميزانية إلى أن الحكومة قد تبنت تدابير وسياسات عديدة تمكنها من مواجهة المخاطر المحتملة، بما فيها وضع سقف لأسعار البنزين، وتعزيز الأمن الغذائي، إضافة إلى تعزيز منظومة الدعم والإعانات الاجتماعية، ودعم السلع والخدمات الأساسية. كذلك تعزيز وتنمية القطاع غير النفطي. يمكن القول أمام هذه التوقعات غير المواتية عالميا، وبالنظر إلى الاستعداد والتحوط المبكرين محليا، إضافة إلى المناسبات الكبيرة المرتقبة محليا، يمكن القول إن الاقتصاد الوطني يحتفظ بفرص ممكنة وواعدة بمشيئة الله تعالى، يؤمل أن تأتي نتائجها أعلى مما سبق تحقيقه خلال الفترة الماضية، وهو الرهان الأوثق -بعد التوكل على الله- الذي يقوم عليه التفاؤل بمستقبل الاقتصاد الوطني، وأن يواصل حصد مكتسبات فرصه الواعدة محليا، وثمار إصلاحاته الهيكلية الشاملة، إضافة إلى اعتماده على موارده المالية وممكناته التي تقع كل منها في مستويات تبعث على الثقة العالية.