Author

سباق «الراقيتا» في جدة والملاحة الشراعية عالميا

|

رياح شمالية غربية بسرعة 14 كيلومترا في الساعة وأجواء مشمسة بمعدل درجة حرارة تراوح بين 22 و30 درجة مئوية، هذه هي الأجواء السائدة في البحر الأحمر ومتوسط حالتها خلال العام. وهي ليست مجرد رائعة وجميلة للمتنزهين في البحر، بل تعد مثالية مقارنة بكثير من البحار السياحية المكتظة في أماكن أخرى حول العالم. ومع ذلك، تكاد أعداد القوارب الشراعية الترفيهية فيها لا تتجاوز مئات، وإذا استثنينا القوارب الشراعية الرياضية الصغيرة جدا، فربما عدد القوارب الشراعية الترفيهية القابلة للإبحار بين الموانئ في منطقة مميزة مثل البحر الأحمر لا يتجاوز بضع عشرات. إلى قبل فترة قليلة، كانت الملاحة الشراعية الترفيهية والسياحية نشاطا مندثرا ومتلاشيا، على الرغم من أن السكان المحليين كانوا في وقت سابق يخوضون البحر بطوله وعرضه بالسنابيك والجرادي لمختلف الأغراض.
اليوم بدأت تختلف القصة بعض الشيء، فلدينا "الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية" وقبل بضعة أشهر أعلنت شركة البحر الأحمر الدولية عن إنشاء نادي "واما" للإبحار الشراعي، وفي هذه الأيام تعيش جدة مرحلة أساسية من مراحل "كأس أمريكا الـ37 ـ (الراقيتا)"، التي تستمر حتى الثاني من ديسمبر. يعد هذا السباق أحد أعرق السباقات العالمية، إذ انطلق قبل 172 عاما وهو يعكس قمة التطور التقني والبراعة الملاحية البحرية بالأشرعة، إذ تتجاوز سرعتها 70 كيلومترا في الساعة بدون محركات تقليدية.
تمثل الملاحة الشراعية الترفيهية أحد جواهر السياحة البحرية في المناطق التي تسمح أجواؤها بذلك، وهي رياضة مختلفة بعض الشيء عن الرياضات البحرية الأخرى وحتى بعض رياضات القوارب تحديدا. فالملاحة الشراعية تختلف عن رياضة الصيد البحري بالقوارب، إذ إن قواربها ذات خصائص هندسية مختلفة، وتتطلب مرافئ بأعماق مختلفة، وتنتج عنها أعمال صغيرة مختلفة، على سبيل المثال، تصنيع وصيانة الأشرعة، وخدماتها واكسسواراتها الأخرى.
يعد حوض المتوسط أحد أكبر الملتقيات العالمية للملاحة الشراعية الترفيهية، وبه يضرب المثل في كثافة عناصر البنية التحتية، على سبيل المثال، بعض الشواطئ في إيطاليا وجنوب فرنسا وشرق إسبانيا تستوعب حتى 100 قارب لكل كيلومتر، وهذا رقم كبير جدا. تستوعب هذه المنطقة في فصل الصيف أكثر من 50 في المائة من اليخوت الفاخرة العالمية وتحتويها بما يزيد على ألف مرفأ ترفيهي وسياحي. ومن الزاوية الأوروبية ـ وليس حوض المتوسط فقط ـ تقول الأرقام بوجود أكثر من ستة ملايين قارب وستة آلاف مرفأ، وعدد يتجاوز أكثر من 32 ألف شركة من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تخدم هذه الصناعة. ما لا شك فيه أن هذا الزخم يشكل محور أساس للسياحة والترفيه البحري، ويعد أيضا مدخلا لإثارة الجدل من النواحي البيئية. يقوم الاتحاد الأوروبي بإصدار سياسات موحدة واستراتيجيات خمسية تخدم دول الاتحاد لتنمية صناعة القوارب وتعزيز أنشطتها بما يخدم اقتصادات الدول الأوروبية وبما يغطي ـ حسب تقديرهم ـ الجوانب البيئية ومسائل الاستدامة.
في الولايات المتحدة تعد صناعة القوارب والنشاط البحري الخاص بالصيد والملاحة البند الأهم في الترفيه الخارجي Outdoor Recreation. يصنع هذا البند أكثر من 230 مليار دولار من الأثر الاقتصادي في الولايات المتحدة بمساهمته في القطاع الصناعي. تعد القوارب الأمريكية منافسا شديدا في الجودة والمتانة لمثيلاتها الأوروبية، ويسيطر المصنعون في أمريكا على السوق هناك، إذا إن أكثر من 95 في المائة من القوارب في أمريكا أمريكية الصنع، معظمها من مصانع تصنف كمنشآت صغيرة ومتوسطة. ومع ذلك، هناك حضور لبعض المصانع الخليجية في معارض القوارب الأمريكية يستحق الاحترام. فيما يخص القوارب الشراعية تحديدا، في الولايات المتحدة أكثر من 1300 ناد للقوارب الشراعية، 37 في المائة منها أندية موسمية، نظرا لعدم مواءمة الأجواء لنشاط الملاحة الشراعية طوال العام.
لا يقتصر هذا النشاط الترفيهي المهم على الولايات المتحدة وأوروبا فقط، هناك حراك مميز في مناطق أخرى سواء قريبة منا مثل بعض المناطق في الخليج أو شرم الشيخ أو بعيدة عنا مثل أمريكا الجنوبية أو أستراليا. يجتمع لدينا اليوم عديد من العناصر التي تربطنا بقوة بهذا المجال مثل التراث البحري الأصيل والأجواء الملائمة والجذب السياحي، ما يجعله مجالا يستحق مزيدا من النظر والاهتمام.

إنشرها