المحاسب الذي يسعى إلى بيع مستودعات "سيجرو" القبيحة
ديفيد سليث، الرئيس التنفيذي لمجموعة سيجرو للعقارات الصناعية، يواجه عملية بيع صعبة. فالمحاسب السابق على علم بأن المستودعات التي تشيدها الشركة البالغة من العمر 100 عام، تعد في نظر كثيرين مملة وقبيحة وتشوها بصريا ارتبط طويلا بالتراجع الملاحظ لقطاع الصناعة في المملكة المتحدة. وواجهت شركة سيجرو معارضة من سكان المنطقة الذين اشتكوا من أن مستودعاتها تبدو قبيحة للناظرين.
يتحدى سليث الرافضين، مؤكدا أن هذه المباني هي "بنية تحتية وطنية أساسية". ويجادل بأن "المستودعات العادية للغاية" لشركة سيجرو أصبحت الآن في طليعة التحول الرقمي، حيث تضم مراكز بيانات وتوفر مساحة لتجار التجزئة عبر الإنترنت، وموزعي المواد الغذائية، وحتى استوديوهات نيتفليكس.
وقال الرجل البالغ من العمر 62 عاما من المكتب الرئيس للشركة في حي مايفير في لندن: "ليس هناك كثير من الناس على هذا الكوكب الآن ليس لديهم هاتف، وبالتأكيد في هذا البلد، ولا يمكنك حقا استخدام هاتفك دون مراكز البيانات. ومع كل التقدم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، نحتاج إلى مزيد منها".
رسالة سليث للمجتمعات المحلية، ولما يطلق عليهم اسم "النيمبيز" (الأهالي الرافضين لإنشاء مشاريع تجارية في أحيائهم)، والذين يشكون من التنمية في مناطقهم، أن مستودعات شركة سيجرو هي "قوة من أجل الخير".
سليث، وهو نباتي ورياضي في السباقات الثلاثية ومهووس باللياقة البدنية، ليس رئيسا نموذجيا للعقارات لكونه معروفا بهدوئه تحت الضغط وطبيعته المعتدلة، فقد قال إن الأمر استغرق بعض الوقت للتعود على حضوره العلني لاجتماعات المساهمين والمقابلات الإعلامية. واقترح مجلس إدارته مدربا متخصصا يعلمه مهارات القيادة. قال سليث: "لم أشعر أبدا بأن لدي غرورا... إنه ليس شيئا طبيعيا تماما بالنسبة لي".
وأوضح أنه على الرغم من وجود كثير من أصحاب العقارات والمؤسسات المهنية ذات رأس المال الجيد في هذه الصناعة، فإن "المشكلة تكمن في وجود جوهر... الذي لا يزال يتمتع بسمعة تدخين السيجار والأثرياء السمناء الذين يقودون سيارات بنتلي. وفي حين أن صورة سليث لا تتماشى مع هؤلاء الأفراد، فقد يدرك الحاجة إلى أجور تنافسية. وقال إن أجور المسؤولين التنفيذيين كانت "مقيدة" للغاية وتميل لمصلحة المستثمرين ومستشاريهم بالوكالة. وأشار قائلا: "المؤسسات تمتلك الشركات، لكن يجب على مجالس الإدارة أن تتمتع بالمرونة اللازمة لوضع سياسات الأجور لجذب المواهب التي يرغبونها لإدارة الشركات. هناك بالتأكيد تناقض".
تتنافس شركة سيجرو مع شركات الأسهم الخاصة على أفضل الموظفين والأصول والفرص. وقال الرئيس التنفيذي: "أعلم أن شخصا مثلي كان بإمكانه كسب كثير من المال... أنا لا أشتكي لأن هذا ليس هو دافعي الوحيد ولكن أعتقد أنه يمثل تحديا".
عندما تولى سليث الوظيفة في سيجرو في 2011، قال لفريقه: "هذه الشركة لن تتمكن من النجاة... إذا واصلنا القيام بما نقوم به. نحن بحاجة إلى القيام بشيء جذري ". لقد كان ذلك نداء كبيرا من شخص كان، بصفته المدير المالي للشركة، يعيش في ظل الرئيس التنفيذي السابق.
شركة سيجرو، التي بدأت باسم سلو إستايت جروب، أطلق عليها لقب "النمو البطيء" قبل أن يتولى سليث زمام الأمور وحين كانت تمتلك ذات يوم المكاتب المستخدمة كموقع لتصوير النسخة البريطانية من البرنامج التلفزيوني ذا أوفيس.
وقد أدرك سليث وفريقه أنه سيكون هناك نقص في معروض المساحات الصناعية الحديثة في أفضل المواقع. وكانت لندن قد فقدت بالفعل 50 في المائة من أراضيها الصناعية. وكانت خطتهم تتمثل في بيع أي شيء لا يعد مساحة صناعية حديثة وعالية الجودة في الأسواق المستهدفة لشركة سيجرو - بما في ذلك المكاتب وأصول البيع بالتجزئة - وإعادة الاستثمار في محفظة أكثر ملاءمة لمستقبل الشركة.
في البداية، أثار المستثمرون مخاوف بشأن التخلص من الأجزاء التي لا تزال مربحة من المحفظة وكانوا قلقين بشأن القدرة على تغطية الأرباح. وقال سليث: "بالطبع، لم يصدقنا أحد في البداية". ولم يكن من المفيد أن أكبر المستأجرين ودافعي الإيجار لسيجرو، وهي شركة الطلبات البريدية الألمانية نيكرمان، قد تعرضت للإفلاس بعد نحو ستة أشهر من إعلان سيغرو عن إصلاح شامل لاستراتيجيتها.
لكن الخطة أتت بثمارها في النهاية. حيث أدى انخفاض أسعار الفائدة وزيادة الطلب على المساحات من شركات التجارة الإلكترونية، خاصة أثناء الجائحة، وشركات الحوسبة السحابية، إلى ارتفاع الإيجارات الصناعية وزيادة سعر سهم الشركة بأكثر من ستة أضعاف من 2012 إلى نهاية 2021. ويمثل التسوق عبر الإنترنت الآن 12 في المائة من إيجارات شركة سيجرو (أمازون وحدها تمثل نصف هذه النسبة).
وقال أولي كريسي، المحلل في شركة كويلتر شيفيوت: "لا أعرف إلى أي مدى يمكن أن نسميه حظ أو تقديرا". موضحا أن سليث "لم يقلب الشركة رأسا على عقب" فيما يتعلق بما اختارت الاستثمار فيه لكنه استفاد من الفرصة التي وجد نفسه فيها.
وقال أحد الزملاء السابقين إن سليث لا يحتاج إلى شخصية متعجرفة لإظهار مكانته في الصناعة. "انظر إلى ما حدث لسعر السهم على مدى الأعوام العشرة إلى الـ15 الماضية. إن ثقته تأتي من قدرته على قلب أوضاع الشركات". وقال أحد مستقطبي الكفاءات الذي يعرفه منذ 20 عاما: "إنه ليس مثاليا، لقد ارتكب أخطاء، لكنه يعترف بها".
يحرص سليث على إعطاء الفضل لموظفيه. وقال عن أسلوب إدارته منذ أن أصبح رئيسا تنفيذيا: "الشيء الذي يزعجني حقا هو عندما يتحدث الناس عن "الأنا". لقد فعلت هذا. أنا أفعل ذلك'... إنه دائما الجهد الجماعي لكن الناس ينسون ذلك. لذلك، فإن هذا شيء يزعجني".
كانت البيئة التجارية أكثر صعوبة خلال العام الماضي، مع ارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، والضغط على أسعار العقارات التجارية بسبب ارتفاع أسعار الفائدة. وقد أدى اعتراف أمازون العام الماضي بأنها توسعت بشكل مفرط إلى مزيد من الانخفاض في قيمة المستودعات.
وكانت سوق الخدمات اللوجستية من بين الأكثر تضررا في ظل الانكماش العقاري الأوسع. وبوصفها واحدة من أكبر الصناديق العقارية الصناعية المدرجة، كان أداء شركة سيجرو أقل من أداء القطاع، مع قيام مديري الصناديق بتخفيض انكشافهم. وانخفض صافي قيمة أصولها بنسبة 3 في المائة في الأشهر الستة حتى 30 يونيو، كما تباطأت وتيرة زيادات الإيجارات في 2023. وانخفض سعر سهمها بنسبة 1.8 في المائة منذ بداية العام.
وقال سليث: "أفترض أنه بعد فوات الأوان تماما، كان علينا أن ندرك أن الحرب في أوكرانيا هي إشارة لتغيير المسار والسرعة. كنا بحاجة إلى التباطؤ والاستثمار بشكل أقل خلال هذه الفترة لأن المال أصبح أكثر تكلفة".
واعترف سليث أنه كان بإمكان الشركة القيام بدفعة أكثر قوة نحو أسواق الخدمات اللوجستية الجذابة مثل هولندا وجمهورية التشيك "لكن في كثير من الأحيان تكون الأشياء التي لا تفعلها هي التي تشعر بالامتنان لها، وأنا ممتن لأننا لم ننجر إلى أسواق أخرى خارج أوروبا".
ومع ارتفاع تكلفة رأس المال، بدأت شركة سيجرو في "إعادة تدوير" مزيد من رأس المال - حيث باعت أصولها لتوفير الأموال لإعادة الاستثمار من أجل تقليل اعتمادها على الديون. وقال الرئيس التنفيذي: "لقد مررنا بعملية تصحيحية عنيفة للغاية".
لكن خبراء السوق يأملون أن تكون قيم العقارات في المملكة المتحدة قريبة من أدنى مستوياتها، إذ سلطوا الضوء على مرونة الطلب على مساحات المستودعات في المملكة المتحدة وفي أنحاء أوروبا حيث تعمل الشركات على تعزيز سلاسل التوريد الخاصة بها.
وقال سليث: "فجأة، أدرك الجميع أن وجود سلاسل توريد جيدة بالفعل ووجود المساحة المناسبة في المكان المناسب يعد ميزة مهمة حقا، لذلك استمر القطاع في الأداء بشكل جيد على الرغم من الرياح الاقتصادية المعاكسة التي نواجهها الآن".
وأشار إلى أن البيئة الحالية تبدو أكثر "استقرارا" مما كانت عليه في الأشهر الأخيرة. "هناك مشترون موجودون. إنهم حذرون بعض الشيء بشأن تشغيل رؤوس أموالهم".
وزاد: "لدينا مخزون مذهل من الأراضي بالفعل في ميزانيتنا العمومية، وإذا ركزنا فقط على تحويل ذلك إلى عقارات مدرة للدخل... فسنعمل بشكل جيد جدا خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة، ويمكننا أن نقلق بشأن الاستحواذ على مزيد من المواقع فيما بعد في المستقبل".
ومع ذلك، فقد توقع حدوث "صدمة أخرى على طول الطريق قبل أن أتقاعد على الأرجح".
وبينما يأمل سليث أنه "لا أحد سيحل محلي في أي وقت قريب"، فإن تعيين رئيس جديد أثار التكهنات حول المدة التي سيستمر فيها في منصبه. إنه يدرك إرثه ويريد ترك الشركة في وضع أفضل مما كانت عليه عندما انضم لها.
وأضاف: "أنا متأكد من أن اسمي سيتم نسيانه بعد أسبوعين من مغادرتي الشركة لأن الأمر سيصبح متعلقا بالشخص الجديد والفريق الجديد، ولكنني أود أن أعتقد أنني تركت الشركة في حالة جيدة وأنها ستستمر في البقاء والازدهار طيلة عقود مقبلة".