الفلبين تنسحب من مبادرة الحزام والطريق .. لماذا؟

يبدو أن الرئيس الفلبيني الحالي بونج بونج ماركوس قد حسم أمره وقرر أن يضع حدا لتردده في شأن انخراط بلاده في مبادرة بكين الضخمة المعروفة بـ"الحزام والطريق"، التي خصصت لها الدولة الصينية نحو تريليون دولار.
صحيح أن ماركوس شارك الشهر الماضي مع 23 زعيما آخر في قمة عقدت في بكين بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لإطلاق المبادرة، وصحيح أن الصين أعلنت على لسان رئيسها شي جين بينج أثناء القمة أنها ستضخ نحو 100 مليار دولار في برامج ومشاريع المبادرة بهدف "بناء مجتمع عالمي ذي مستقبل مشترك"، إلا أن الصحيح أيضا هو أن الفلبين لن تكون من ضمن الدول المستفيدة من هذا السخاء الصيني. فما الأسباب يا ترى؟
في تطور لافت، أعلنت وزارة النقل الفلبينية أنها ستلغي مشروعات بنية تحتية تسهم فيها الصين بنحو خمسة مليارات دولار، وأنها ستسعى للحصول على صفقات بديلة أفضل من خلال دول أخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وذلك بدعوى أن الصين متقاعسة عن التنفيذ والتسليم في التوقيت المتفق عليه، وأن الفلبين لا يمكنها الانتظار طويلا.
جاء ذلك تأكيدا لإعلان سابق من مجلس الشيوخ الفلبيني ذكر فيه أن المبادرات الاستثمارية الرئيسة للصين في الفلبين باتت موضع شك لأسباب اقتصادية وسياسية. كما أنه جاء متوافقا مع تصريحات سابقة لوزراء فلبينيين معنيين اشتكوا فيها من نقص الالتزام المالي من جانب الصين، فضلا عن فرضها شروطا مرهقة نسبيا للمشاريع التي تمولها، مقارنة ببرامج القروض الميسرة التي تقدمها اليابان والمنخرطة حاليا في تنفيذ مشروع مترو الأنفاق في مانيلا بمليارات الدولارات، وتنفيذ مشاريع رئيسة أخرى في قطاع الاتصالات في المناطق الصناعية من الفلبين.
هذا يعني أن علاقات مانيلا ببكين وصلت الآن إلى الحضيض، بعد أن كانت مزدهرة ومتنامية في عهد الرئيس الفلبيني السابق رودريجو دوتيرتي، الذي سعى إلى إبرام صفقة مع نظيره الصيني تقدم بموجبها مانيلا امتيازات لبكين في مياه بحر الصين الجنوبي المحاذية لبلاده والمتنازع عليها مقابل قيام بكين بضخ نحو 24 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية للفلبين.
لعل ما زاد الطين بلة هو قيام البحرية الصينية في الآونة الأخيرة بالاشتباك مع سفن الدوريات والإمداد الفلبينية في منطقة Second Tomas Shoal وما جاورها، حيث تحتفظ مانيلا بقوات على متن سفينة حربية رأسية. وهو التطور الذي حدا بالرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تأكيد وقوف بلاده إلى جانب مانيلا في ردع أي عدوان صيني على القوات الفلبينية المتمركزة في بحر الصين الجنوبي طبقا لمعاهدة الدفاع المشترك الفلبينية الأمريكية، واتفاقية تعزيز التعاون الدفاعي الموسعة EDCA. علما أن عددا من المراقبين سخروا من الإعلان الأمريكي بقولهم، إن الولايات المتحدة، التي لم تجازف بالدخول في صدام عسكري مع الصين من أجل تايوان المتمتعة بموقع استراتيجي وثقل اقتصادي وصناعي، لن تدخل حربا مع الصين دفاعا عن سيادة الفلبين على جزيرة صخرية غير مأهولة وليس لها أي أهمية استراتيجية، ولا يوجد بها سوى سفينة تربض في مياهها لتأكيد السيادة الفلبينية عليها.
اتهمت بكين مانيلا بأنها تبالغ في ادعاءاتها الخاصة سواء لجهة بطء تنفيد وتسليم المشاريع الاستثمارية الصينية أو لجهة اشتباك بحريتها مع البحرية الصينية، بل أضافت أن هذه التطورات السلبية في علاقات البلدين وراءها واشنطن وسياساتها المناوئة للصين، متخذة من تصريح بايدن دليلا على صحة اتهامها.
في الواقع إن انسحاب مانيلا من مبادرة الحزام والطريق الصينية جاء على خلفية ما تتعرض له المبادرة من ضغوط وسط حالة التباطؤ الاقتصادي في الصين وأزمة العقارات وكوارث الاستثمار المختلفة خارج الصين. دليلنا هو أن إجمالي الأنشطة المرتبطة بالمبادرة منذ ذروتها في 2018 انخفض 40 في المائة وفق عديد من التقارير التي عزت الانخفاض إلى تراجع التمويل من بكين من جهة، والعقبات التنظيمية وهشاشة الهياكل المالية في الدول المتلقية من جهة أخرى. ثم جاءت حادثة التصادم والاشتباك بين بحريتي البلدين لتسرع في نهاية علاقة مانيلا بالمبادرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي