FINANCIAL TIMES

أغنى مصرفيي آسيا: المخاطرة المالية فرصة .. أخطأت في الحذر

أغنى مصرفيي آسيا: المخاطرة المالية فرصة .. أخطأت في الحذر

لولا كرة الكريكيت التي ارتطمت بجمجمته، لما أصبح أوداي كوتاك واحدا من أنجح رجال الأعمال الماليين في الهند الحديثة.
كانت القذيفة السريعة التي أصابته أثناء مباراة في كلية إدارة الأعمال في مومباي قبل أربعة عقود، قد أرسلت الطالب البالغ من العمر 20 عاما خارج الملعب الجامعي ليخضع لعملية جراحية في الدماغ. وأثناء تجواله في المستودعات التابعة لتجارة السلع التي تملكها عائلته في الأشهر التي قضاها من أجل التعافي، أدرك كوتاك أن مصلحته لم تكن في أن يصبح تاجرا آخر ضائعا في صفوف عشيرته الضخمة. بل أراد أن تكون هويته الخاصة كممول.
في سن الـ24، انفصل عنهم ليبدأ شركة صغيرة تقدم خصما على الفواتير - على الرغم من أنه اعتمد على عائلته في الحصول على رأس المال الأولي ومكتب صغير. وقام بتطوير شركته إلى بنك كوتاك ماهيندرا، ثالث أكبر بنك في القطاع الخاص في الهند، بقيمة سوقية تبلغ نحو 44 مليار دولار. وفي هذه العملية، أصبح كوتاك أغنى مصرفي في آسيا - إذ يملك حصة نسبتها 26 في المائة في البنك، التي تقدرها مجلة "فوربس" بأكثر من 13 مليار دولار - وغير شكل الخدمات المصرفية الهندية.
في سبتمبر، استقال كوتاك قبل أشهر قليلة من بلوغه المدة الزمنية التي فرضتها هيئة الرقابة المصرفية الهندية على المديرين التنفيذيين في 2021. كانت تلك لحظة يخشاها المستثمرون. ويشعر الناقدون والمطلعون بالقلق من أن المجموعة المالية أصبحت تعتمد بشكل كبير على مؤسسها، وهو شعور انعكس على الأداء الضعيف لسعر سهمها في الآونة الأخيرة. وقال هيميندرا هازاري، المحلل المستقل: "السوق قلقة من أنه إذا لم يكن كوتاك في مقعد القيادة، فكيف سيستمر البنك في تقديم الأداء الذي عرف به".
وأضاف أوداي شانكار، عضو مجلس إدارة بنك كوتاك ماهيندرا: "البنك حقا يقف عند مفترق طرق في الوقت الحالي، لأنه لم يمر عليه يوم واحد دون قيادة أوداي كوتاك".
وقال كوتاك - الذي سيستمر بصفته "مساهما كبيرا ملتزما" وعضوا في مجلس الإدارة - إنه يعتقد أن مجموعة الخدمات المالية، التي عينت الشهر الماضي الرئيس السابق لبنك باركليز في المملكة المتحدة أشوك فاسواني رئيسا تنفيذيا لها، ستزدهر بدونه: "المؤسسة أكثر أهمية من الفرد أعتقد أن المؤسسة تتمتع بالقوة، ولديها أشخاص، ولديها الثقافة والقدرة على البناء من هنا. وأرى فرصة كبيرة مع نمو القطاع المالي الهندي".
وفي اقتصاد تهيمن عليه الشركات المملوكة للأسر، كان قرار كوتاك ببدء مشروعه الخاص مذهلا.
وقال سريني سرينيواسان، الذي عمل تحت قيادة كوتاك لمدة 30 عاما ويقود الآن أعمال الأصول البديلة في بنك كوتاك إنه في الهند، "كانت دائما العائلات الغنية، والعائلات الصناعية هي التي تبني شركات جديدة أكثر وأكثر على خلفية الشركات القائمة التي كانت توفر تدفقات نقدية".
وقال سرينيواسان إن كوتاك انتهز "كل فرصة في الخدمات المالية التي فتحت له" - وتوسع في أعمال جديدة تزامنا مع التخفيف في اللوائح التنظيمية، من تمويل السيارات إلى إدارة الأصول. إن توظيف المتخصصين ميز كوتاك عن أقرانه.
وأضاف سرينيواسان: "هنا كان رائد الأعمال الذي قام ببناء كل شيء من الصفر، وكل ذلك مع مديرين محترفين".
ليس هناك تبجح من قبل كوتاك، الذي يظهر كمدرس للرياضيات أكثر من كونه سيد الكون، وهي صورة نمطية في التمويل يقول إنه يريد أن يرفضها المصرفيون الذين يعملون معه.
ويتذكر شانكار قائلا: "لقد أذهلني تماما مدى بساطة الرجل وعدم تعجرفه وشفافيته". وأضاف سرينيواسان أن كوتاك "لا يتسم بالغرور".
كوتاك، الذي حصل على أحد التراخيص المصرفية المتاحة حديثا في الهند في بدايات العقد الأول من القرن الـ21، بعد أن تبنت الدولة الاشتراكية السابقة سياسة الانفتاح، ينسب نجاحه إلى الاستفادة القصوى من الفرص الجديدة. وقد عكست حياته المهنية النمو السريع والإصلاح في تمويل القطاع الخاص في الهند، بعد عقود من هيمنة البنوك المملوكة للدولة.
وقال في مقابلة في مكتب العائلة الجديد الذي سيشكل مشروعه التالي: "أعتقد بصدق أن مجموعة كوتاك هي نتاج إصلاح القطاع المالي بين 1985 و2023. لقد كنت المستفيد الأكبر".
وعلى عكس أصحاب المليارات من الهنود الذين واجهوا انتقادات بسبب التباهي، فإن كوتاك لا يمتلك طائرة خاصة "وأنا لا أقترح ذلك". ومن بين أبطاله المهاتما غاندي، الرائد الزاهد للاحتجاجات السلمية التي كانت محورية لاستقلال الهند عن بريطانيا، وجيمي ديمون، رئيس بنك جيه بي مورجان لفترة طويلة.
ولد كوتاك في 1959 لأسرة في مومباي مكونة من 63 شخصا، مع مطبخ واحد يشتركون فيه. وبقي المراهق المهووس بالكريكيت في العاصمة المصرفية للهند للدراسة الجامعية وكلية إدارة الأعمال. وعندما بدأ عمله في مجال الإقراض، اكتشف أحد عملائه الأوائل إمكاناته المحتملة - وهو أناند ماهيندرا، الذي كان آنذاك المدير المالي لشركة الصلب المملوكة للعائلة المرموقة. تأثر رجل الصناعة بعرض كوتاك لدرجة "أنني أخبرته في المكتب نفسه نحن نحب أن نتشارك معك".
قبل كوتاك عرض ماهيندرا خلال حفل زفافه في نادي ويلينجدون في مومباي، حيث عرض على رجل الأعمال حصة في الشركة التي أسسها قبل ستة أيام فقط. وقال ماهيندرا: "كانت النكتة هي أن كوتاك اقتطع وقتا حتى من حفل زفافه للحديث عن العمل".
وقد جلبت الصفقة لكوتاك عنصرا واحدا كانت شركته تفتقده، وهو عائلة مشهورة. وقال ماهيندرا: "لم يكن أحد يعرف من هو كوتاك في تلك الأيام". وقد أعادوا تسمية الشركة إلى كوتاك ماهيندرا فاينانس.
استخدم كوتاك الشراكات الدولية لتوسيع مؤسسته الناشئة. وقال كوتاك: "كانت الأسواق الهندية لا تزال في مرحلة مبكرة للغاية، وكنا نريد أن نتعلم".
هانك بولسون، الذي وقع، بصفته مصرفيا في بنك جولدمان ساكس في 1995 على مشروع مشترك مع كوتاك، يتذكر الممول الهندي بأنه "رجل مجتهد يعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع" و "مفاوض حازم للغاية" و"غير راغب في التنازل عن السيطرة".
كما بنى كوتاك سمعة لكونه حذرا بشأن المخاطرة المالية، على الرغم من رفضه هذا التوصيف. وقال: "عندما نخاطر، فإننا نريد العوائد. المبدأ الذي اتبعناه في بنك كوتاك على مدار 40 عاما الماضية هو إذا كنت لا تفهم شيئا ما، فلا تفعله. في كثير من الأحيان، سيعطيك المتخصصون الماليون هياكل معقدة للغاية. أعتقد أن المسألة تتطلب منك التواضع لكي تقول: أنا لا أفهم ذلك، وبالتالي لن أفعله. من الأفضل أن تكون غبيا الآن على أن تندم لاحقا".
ومع ذلك، يأسف كوتاك على شيء من التردد أصابه. فبعد خمسة أعوام من تحول شركة كوتاك ماهيندرا إلى بنك في 2003، أغرقت وول ستريت العالم في أزمة مالية. ولاعتقاده أن الهند ستغرق في الاضطرابات، توقف كوتاك عن توسيع شبكة فروع البنك.
وقال: "أحد الأخطاء التي ارتكبتها هو أنني قرأت وسائل الإعلام الدولية أكثر من اللازم. وأصبحت حذرا قليلا هذا هو الوقت الذي كان يجب أن أسرع فيه".
انتعش بنك كوتاك مرة أخرى في 2014، واندمج مع بنك أي إن جي فيسيا، الذي كان البنك الأوروبي أي إن جي أكبر مساهم فيه: "لقد كانت أكبر عملية استحواذ في القطاع المصرفي الخاص في الهند التي منحتنا الحجم".
وجاءت لحظة تحول أخرى في 2016، عندما قلب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي القطاع المصرفي رأسا على عقب من خلال سحب مليارات الدولارات النقدية بشكل مفاجئ في محاولة لمكافحة الفساد. ووصفها كوتاك بأنها "لحظة جنونية".
وبعد أقل من ستة أشهر، أطلق بنك كوتاك ماهيندرا خدمة مصرفية رقمية تسمى 811 - حيث حدث "سحب النقود" من قبل مودي في الثامن من نوفمبر. وقام البنك بتعيين جاي، نجل كوتاك، الذي تخرج في كلية إدارة الأعمال قبل بضعة أعوام، كرئيس مشارك للشركة الرقمية سريعة النمو.
يعتقد بعض الناقدين أن ترقية ابنه قوضت سياسة بنك كوتاك المعلنة للترقية العادلة. إن فكرة أن كوتاك يسعى إلى تحقيق مبدأ الجدارة هي "هراء"، كما قال أحد المصرفيين بازدراء.
ويقول كوتاك إنه ينأى بنفسه عن كل الأمور المتعلقة بمهنة جاي، وينفي أنه تصور أن يصبح ابنه رئيسا تنفيذيا: "الأمر متروك له من حيث الجدارة والقدرة المهنية لمعرفة كيف ستسير حياته المهنية هذه ليست الطريقة التقليدية التي تتبعها معظم الشركات الهندية في خلافتها، لكنني أعتقد أنه لبناء المؤسسة، تعد هذه طريقة أكثر استدامة".
لا يخطط كوتاك لأي تراجع تدريجي نحو التقاعد. وقال إن مكتب عائلته الجديد عبارة عن "صفحة بيضاء نظيفة".
وقال بولسون، الذي أصبح فيما بعد الرئيس التنفيذي لبنك جولدمان ساكس ووزير الخزانة الأمريكي، إن كوتاك "تجاوز توقعات الجميع، ربما باستثناء توقعاته هو (كوتاك)".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES