تسمع بأقدامها
يحتوي هذا الكون على جوانب خفية، لا تستطيع عقول البشر ولا حواسهم أن تدركها، رغم كل ما حباهم الله من نعم، وفي المقابل تجد كائنا حيا قد لا تلقي له بالا يتمتع بقدرات تفوق قدراتك!
فنحن البشر لا نستطيع رؤية كل ما حولنا ونعجز عن رؤية آلاف الكائنات التي تشاركنا أجسادنا، فكم من كائن حي يحتل جلدك، وليس لنا القدرة على سماع ذلك الضجيج الخفي القادم من الحيوانات، أو من الظواهر الطبيعية التي قد تقضي على البشر في لحظات، كما حدث في زلزال تركيا وطوفان تسونامي.
من تلك الكائنات التي لا نعرف عنها سوى القليل ولا يشدنا فيها سوى كبر حجمها، ونجهل تلك الأسرار التي أودعها الله فيها، ومنها شدة حساسيتها للأصوات وقدرتها على السمع، وقد تعتقد أن ذلك ناتج عن كبر حجم آذانها، لكنها في الواقع هي تسمع بأقدامها بشكل أعمق وأكبر مما تسمعه بآذانها.
حاسة السمع عادة تعمل على إيصال الصوت من مصدره عبر الأذن إلى الدماغ. ولأن الصوت عبارة عن اهتزازات أو موجات فهو يحرك الهواء من حوله، فحين يقرع الجرس مثلا يتحرك الهواء الذي حوله ليوجد موجات صوتية تصطدم بالأذن الخارجية ثم الوسطى فالداخلية، قبل أن تنتقل إلى الدماغ. تشاركنا الفيلة هذا النوع من السمع، لكنها في الوقت نفسه تلتقط الأصوات التي تصدر من طبقات الأرض، إذ ثبت أن الفيلة تلتقط الذبذبات الأرضية، سواء كانت عواصف أو زلازل أو فيضانات قبل التقاط بقية الحيوانات لها، فتبدأ في الابتعاد أو تغيير سلوكها، استجابة لشيء ما قبل أن يرصده البشر. تتمتع الفيلة بقدرتها على استخدام الموجات تحت الصوتية للتواصل والتصرف، كما لو كانت أجهزة لقياس الزلازل.
أدنى تردد تستطيع الفيلة سماعه يبلغ 5 هيرتز، أي أقل بكثير من أن تلتقطه آذاننا وهو 20 هرتز، والأغرب أنها كما تسمع بأقدامها تتكلم من خلالها أيضا، حيث يمكن للفيلة إصدار الأصوات بترددات منخفضة، تصل إلى مسافة بعيدة بين 16 و30 كيلومترا، بينما يصل صوتها التقليدي إلى 10 كيلومترات تقريبا. ففي الماضي كانوا يعرفون أن القطار قادم من خلال سماع صوته عبر القضبان قبل أن يصل صوته عبر الهواء بوقت طويل، أي إن الصوت ينتقل أسرع في الأوساط الكثيفة.
لقد ألهمت قدرات الفيلة الحسية التكنولوجيا البشرية ابتكار أجهزة للسمع، تعتمد على التوصيل العظمي بدلا من المرور بمراحل استشعارها عبر الأذن، واستخدمت في السماعات المدمجة بخوذات الجنود، وفي إيصال رسائل الغواصين، من خلال وصلها بنظارات الغوص.