الدولار يرتفع والعملات تنخفض
لا يمكن تفادي التأثيرات التي تتركها أسعار الفائدة الأمريكية في العملات حول العالم، ولن تنجو أي عملة من هذا الوضع الصعب، وكذلك في أسواق الأسهم والسندات. فحتى الاقتصادات المتقدمة تتأثر بصورة أو بأخرى، بنشاط الفائدة في الولايات المتحدة، لأنها مرتبطة في النهاية بوضعية أكبر اقتصاد في العالم. إنه ببساطة يعطي إشارات للساحة الدولية على الصعيدين المالي والاقتصادي. وعلى هذا الصعيد، فقد تأثرت خلال الأشهر الماضية عملات دول رئيسة في القارة الآسيوية، بفعل اتباع المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي" سياسة رفع تكاليف الاقتراض، من أجل مواجهة الموجة التضخمية، التي لا تزال تضرب حول العالم.
ورغم أن مستويات أسعار المستهلكين تراجعت بقوة في الآونة الأخيرة على الساحة الأمريكية، وكانت الأفضل، مقارنة ببقية الساحات الأخرى، إلى أن "الفيدرالي" أبقى الباب مفتوحا على مزيد من التشديد النقدي في المستقبل. وقد اكتفى في المراجعة الأخيرة بالإبقاء على مستوياتها الراهنة عند بين 5 و5.25 في المائة.
ووفقا لتقرير نشرته "الاقتصادية" أخيرا، فإن هذا المستوى يعد الأعلى منذ 2007، ورغم الضغوط الآتية من جهة النمو، إلا أنه سيبقى مرتفعا، ما يعمق أيضا المشكلات التي تمر بها العملات العالمية، تحديدا الآسيوية. فارتفاع الدولار ومعه السندات في الولايات المتحدة، تسبب في تراجع الين الياباني (مثلا) بأكثر من 24 في المائة، منذ البدء في العمل على رفع تكاليف الاقتراض قبل أكثر من عام. والمستوى الذي وصل إليه الدولار، ترك آثاره أيضا في عملات أخرى مثل اليوان الصيني والدولار التايواني، والبات التايلاندي والروبية الإندونيسية، بما في ذلك الدولار السنغافوري. لكن ظلت العملة اليابانية على رأس العملات الآسيوية التي حققت تراجعا كبيرا، في حين بلغت تراجعات العملة الصينية نحو 13 في المائة.
ومرة أخرى، ولا غرابة في ذلك، لأن العملة الأمريكية حققت قفزات بصورة أو بأخرى أمام عملات الاقتصاد المتقدمة في أوروبا، رغم اعتماد المشرعين الأوروبيين ومعهم البريطانيون سياسة التشديد النقدي، لكبح جماح التضخم.
والضغوط ترتفع أكثر على الاقتصادات في آسيا على وجه الخصوص، لأن تراجع عملاتها أمام الدولار الأمريكي، يأتي في ظل ضغوط كبيرة من انخفاض النمو الناتج عن بعض حالات الركود، وفي أفضل أوضاع حالات التباطؤ. ويبدو هذا واضحا على الجانب الصيني، الذي يشهد تراجعا في النمو منذ عقود. كما يظهر أن العملات المرتبطة بالدولار، ظلت محافظة على التوازن والاستقرار، بفعل هذا الترابط، إلا أن الأمر ليس كذلك مع بقية العملات الأخرى.
والمشكلة الرئيسة حاليا، هي أن العملات المتأثرة سلبا بارتفاع الفائدة الأمريكية، ستواجه مزيدا من المصاعب، مع التأكيدات التي لا تتوقف من المشرعين الأمريكيين، بأنهم لن يترددوا في المراجعات المقبلة في رفع الفائدة. دون أن ننسى، أن هناك جانبا إيجابيا ما بالنسبة للعملات المتراجعة، يتعلق بزيادة وتيرة التصدير، خصوصا أن معظمها يعتمد على التصنيع والتصدير.
وفي كل الأحوال، سيتواصل المشهد العام على الساحة العالمية، مع التمسك بالتشديد النقدي على الساحة الأمريكية، وبقية الساحات الرئيسة الأخرى. فالعملات الآسيوية وغيرها من العملات الأخرى، لم تكن الوحيدة التي تعرضت للتراجعات، بصرف النظر عن التباين في الانخفاض بين عملة وأخرى، بل تواجه الأسواق العالمية بمختلف نشاطاتها أيضا اضطرابات جراء الفائدة الأمريكية العالية، حتى أسواق الولايات المتحدة ذاتها. فالدولار المرتفع يدفع أصحاب رؤوس الأموال للتخلي عن جزء من أصولهم في الأسهم، وضخها في العملة المرتفعة. إنها عملية تقليدية معروفة للجميع.