وقت معجب الزهراني    

في كتاب "سيرة الوقت: حياة فرد ـ حكاية جيل" يتصدى الدكتور معجب الزهراني لسرد سيرته الذاتية بشفافية وجرأة. بعيدا عن هذه السيرة وتفاصيلها المدهشة، لفتني في الكتاب جزئية تحدث عنها الدكتور معجب وهي نزعة: "الهرب نحو عالم مثالي سريعا ما تبين لي أنه لا يوجد إلا في الكتب ورأسي". هذه النزعة كانت قاسما مشتركا اتسمت به الأجيال الماضية. 
كانت هناك أدوات تؤسس لهذا الهروب وتؤصل له. لذلك برزت مظاهر منها الغلو في التدين. وتغليب أحاديث وخطابات الترهيب في مقابل التقليل من الاستشهاد بأحاديث الترغيب. والإفراط في وضع القيود على كثير من الأمور التي لا طائل من تحريمها مثل التصوير، بل وصل الأمر إلى أمور تتعلق بالتعليم والانحياز للتعليم الشرعي في مقابل التعليم الصحي والهندسي وسواه من العلوم المعاصرة الضرورية. 
مع كل هذه الأمور لم يكن الأمر يخلو من التناقض بين الظاهر والباطن. في الحقيقة أن هذه الثقافة العربية أوجدت نوعا من الازدواجية بين نسختين للفرد. الأولى تظهر للعموم والثانية تتبدى في سلوكيات أخرى. 
المبتعثون الذين كانوا يسمحون لنسائهم بقيادة السيارة في الخارج كانوا يقفون بمنتهى الشدة ضد هذا الخيار في الداخل. حتى ما كان يعرف بمشايخ الصحوة كان لديهم طرح متشدد للداخل وطرح آخر مرن جدا وتبريري للخارج. وبعد انتشار منصات التواصل الاجتماعي أصبحت هذه المرونة الانتقائية تظهر من خلال صور احتفالات الميلاد التي كان هؤلاء ينشرونها على منصات التواصل الاجتماعي. كما شهدنا إهداءات على هيئة كتب وسواها لعدد من الفنانات والإعلاميات في هذه القناة أو تلك. 
كان من الصعب عليهم التخلص من فخ التناقضات بين الطهر المزعوم الذي يريدون فرضه على المجتمع والمخالطة الطبيعية التي تبرز في التعامل مع الآخر. هذا الأمر برز أيضا في عداء ظاهر ضد كل مظاهر الوطنية والولاء للقيادة والانتماء والمحبة للأرض. مع إعلاء قيم مجتمعات أخرى لأسباب أيديولوجية بحتة. واستمرت هذه المماحكات فترة طويلة. لكن تلك السلبيات توارت عندما توافرت الإرادة التي أسهمت في تصحيح المسار وإعطاء المجتمع خيارات زادت من جودة الحياة.
لقد قدمت رؤية السعودية 2030 فكرا منسجما مع معطيات العصر، وهذا أفضى إلى الواقع الجميل الذي نعيشه. شهادة الدكتور معجب الزهراني في "سيرة الوقت" تصوغ جانبا من المشهد الذي كان سائدا دون أي تجميل. تناول الرجل التفاصيل بكل ما فيها من إيجابيات، كما استعرض بعض السلبيات. 
الحديث يطول. هذه مجرد خاطرة استدعتها مطالعاتي في هذا الكتاب اللطيف. وقد استحضرتها وأنا أتابع خبر تكريم الرجل في الباحة مع عدد آخر من أبناء المنطقة. هذا التكريم يأتي تجسيدا لصورة إيجابية أخرى من صور التغيير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي