Author

الشركات العقارية ودعم الإسكان

|

من المثير واللافت للانتباه عدم تمكن معظم الشركات العقارية المساهمة من الإسهام الفاعل في تنمية قطاع الإسكان، وحل أزمة الإسكان التي مرت بها المملكة خلال العقد الماضي على وجه الخصوص. فرغم السوق الجذابة والمليئة بالفرص الاستثمارية الكبيرة، إلا أن كثيرا من هذه الشركات يتكبد خسائر كبيرة في أغلب الأعوام. وفي أعوام قليلة فقط استطاع بعضها تحقيق أرباح ضعيفة لا تتناسب مع حجم رأسمالها والإمكانات المتوافرة لها، والحوافز الممنوحة لها من قبل الدولة لمساعدتها على تحقيق أهدافها، وخدمة قطاع الإسكان الذي حظي باهتمام كبير لدى صناع القرار لأهمية توفير المساكن للمواطنين، وارتباط ذلك بجودة حياتهم التي تسعى رؤية المملكة 2030 لرفعها.
على سبيل المثال، تأسست الشركة العقارية السعودية بموجب مرسوم ملكي في 1385، أي قبل أكثر من نصف قرن، بالتحديد أكثر من ستة عقود! ومنحت فرصة لممارسة أنشطة متنوعة بدءا بتملك الأراضي وتطويرها وإقامة المباني السكنية والتجارية عليها وبيعها وتأجيرها وإدارة العقارات لحسابها أو لحساب الغير وشراء وإنتاج المواد والمعدات اللازمة للبناء وبيعها وتأجيرها والقيام بأعمال المقاولات للمباني والقيام بجميع الأعمال المتصلة بتحقيق أغراضها وشراء وبيع وتأجير الفلل والدبلكسات والعمائر. وعلى الرغم من الفرص المتنوعة المتاحة أمامها، فإن إسهامها في تنمية الإسكان والأرباح التي تحققها لا يتناسب مطلقا مع عمرها المديد والثقة التي منحت إياها، فقد اقتصرت إنجازاتها على بعض الأسواق وبعض الفلل في الحي الدبلوماسي، وعلاوة على ذلك، فإن القيمة الدفترية للسهم لا تتجاوز القيمة الاسمية بكثير.
بالمثل، تأسست شركة دار الأركان في 2000، وكانت تحقق أرباحا مرتفعة جدا قبل طرحها للاكتتاب العام، لكن نشاطها تقلص بعد الاكتتاب، وانخفضت قيمة أسهمها إلى ثلث قيمة سعر طرحها للاكتتاب، ولم توزع أرباحا تذكر خلال العقدين الماضيين، ولم تسهم في تخفيف حدة أزمة الإسكان بالقدر الذي أسهمت فيه شركات عائلية صغيرة.
لا تختلف عن ذلك كثيرا شركة جبل عمر التي تأسست في 2006 وتمارس نشاطها في أطهر بقاع الأرض وأكثرها فرصا استثمارية، على الرغم من التسهيلات والحوافز التي قدمت لهذه الشركة، إلا أنها لا تزال خلال عمرها الطويل تتكبد الخسائر تلو الخسائر! في المقابل، أثرى كثير من الأفراد والعائلات في مجال الاستثمار العقاري في هذه المدينة المقدسة! أليس هذا لغزا غريبا ومخجلا أن تخسر شركة عقارية تمارس أنشطتها في مكة المكرمة على مدى عقدين من الزمن؟!
من جانب آخر، تأسست شركة الرياض للتعمير في 1414هـ، أي قبل ثلاثة عقود، ومنحت فرصا استثمارية مميزة وواسعة، وحوافز كبيرة، مثل إقامة المرافق والمباني المكتبية والأسواق، وكذلك إنشاء المجمعات السكنية وبيعها أو تأجيرها بالنقد أو التقسيط، لكن على الرغم من مشاريعها المتنوعة، إلا أن هذه المشاريع لا تتناسب مع الإمكانات والمناخ الاستثماري المتوافر لها. على الرغم من أنها أفضل من مثيلاتها فيما يتعلق بتوزيع الأرباح، فإنها لم تسهم إسهاما يذكر في تخفيف حدة أزمة الإسكان في الرياض.
في الجانب المضيء، تأتي شركة مكة للإنشاء والتعمير التي تأسست في 1408، أي قبل نحو أربعة عقود، لتقدم إسهامات معقولة وتحقق أرباحا متواصلة، وتماثلها إلى حد ما من حيث الأداء شركة طيبة القابضة، لكن مؤشرات أدائها لا تتناسب مع المناخ الاستثماري الذي تعيش فيه!
لا يتسع هذا المقال القصير لمزيد من التفاصيل، ويبقى أن أشير إلى ضرورة إجراء دراسة تقويمية للشركات العقارية المساهمة للحفاظ على ثروات المستثمرين، وحث هذه الشركات على إجراء تطوير مؤسسي للحد من الترهل وتحفيزها لممارسة أعمالها وفق نماذج شركات القطاع الخاص، وربما يتطلب الأمر دمج بعضها في بعض! من الضروري حث الشركات العقارية على تحديث مواقعها على شبكة الإنترنت وزيادة المحتوى، وإشهار أسماء أعضاء مجلس الإدارة في كل دورة منذ تأسيس الشركة لإضفاء مزيد من جوانب الشفافية والحوكمة، ما قد يساعد على تحديد أسباب الإخفاق.

إنشرها