بيوت هرمة

مثلما يمر الإنسان بمراحل العمر المتعاقبة بدءا من مرحلة الميلاد والطفولة والشباب والرشد إلى مرحلة الهرم، حيث يشعر بالحزن والكآبة والعجز عن القيام ببعض أموره الأساسية، فيفقد الإحساس ببهجة الحياة وجمالها إلا فئة قليلة ممن استعدت لتلك المرحلة مبكرا فانتبهت جيدا للرياضة والغذاء الصحي والمشي وفعل كل ما يجلب المشاعر الإيجابية، أقول مثلما يهرم الإنسان ويصاب بالشيخوخة فكذلك البيوت تهرم وتشيخ.
البيوت الهرمة هي تلك البيوت التي يقوم أهلها بالاهتمام بتجهيزغرفها بالأثاث الفخم والكماليات الثمينة والإبداع في اختيار الألوان وتنسيق الديكورات والأشجار الصناعية والطبيعية، والحرص على انتقاء اللوحات والمرايات الأنيقة وتنظيف الزوايا من الغبار والأرضيات من أي بقعة تعوق لمعانها، ثم بعد ذلك تقفل الأنوار والنوافذ وتغرق تلك الغرف بالظلام الحالك والصمت الموحش والهدوء المطبق وتحذير أهل البيت من الدخول إليها إلا كل يوم جمعة لتبخيرها فقط، أما باقي العام فلا ضيف يدخلها ولا زائر يدلف إليها ولا أهل بيت يستمتعون بها.
لو كان للبيوت ألسنة لسمع نحيبها الأحياء، ولأخبرتهم عن شوقها لضيوف يعمرونها بأرواحهم الجميلة ويسعدونها بضحكاتهم اللطيفة ودعواتهم لأصحابها بالخير والبركة قبل مغادرتهم أسوارها، ولأخبرتهم عن لهفتها لرؤية أطفال يلعبون "بالحوش" يتشاجرون ويتعثرون ويبكون ثم يضحكون فتبقى تلك الذكريات عالقة في أذهانهم للأبد، ولأخبرتهم عن عشقها رؤية أصحاب البيت وهم يحضرون الطعام بحب وكرم استعدادا لقريب أو جار أو صديق ورائحة القهوة والهيل والبخور تملأ المكان.
حقيقة لا يمكن نكرانها أن بيوتنا أصبحت تشتكي الوحدة وتكاد تصاب بالشيخوخة المبكرة، لا أدري لم نتكلف في التأثيث والتصميم والديكور ثم نتركها للغبار والظلام، ولماذا أصبحنا نتثاقل وجود ضيف أو زائر في بيوتنا؟ هل السبب هي البرتوكولات المتشنجة التي تستدعي الاستعداد للمناسبة ماديا والتفكير بتفاصيلها بشكل مرهق؟ أم هو التعامل الرسمي الذي يقتل متعة اللقاءات فتتبلد المشاعر وتتثاقل الأرواح قضاء الوقت مع الضيوف والزوار؟ أم هل أصبحنا نشعر أن سقف توقعات الضيوف مرتفع حيث لم تعد الضيافة البسيطة وطبخ المنزل الاعتيادي "يملأ عيونهم" فتضيق صدروهم ويعدون ذلك قلة تقدير وكرم؟ أم هل السبب أن البعض يرى أن الاجتماع في المقاهي والمطاعم أسهل وأيسر؟ بغض النظر عن جميع ما سبق، فستبقى الحقيقة المؤلمة أن بيوتنا إن لم نفتح أبوابها ونوافذها للضياء والفرح واللقاء والضيوف والزائرين فستصاب بالهرم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي