تحديات القيادة في المستقبل
تزخر مكتبة الإدارة بعدد هائل من الكتب والمراجع التي تعنى بالبحث في أساليب النجاح ومزايا القادة، ويحاول كثير من المتحدثين والمنظرين أن يفردوا لهذه الفئة من العاملين حقها الذي تستحقه، وتنتشر كذلك المقاطع التي يحاول العارضون فيها أن يضعوا بصماتهم على مفاهيم الإدارة، ويسيروا الفكر العام في اتجاه أو آخر.
الحق أن الإنسان هو أصعب مكونات العملية الإدارية، وهو ما يحاول القادة في مختلف الأزمان أن يحققوا من خلاله الفتوحات والإنجاز، ذلك أن مفاتيح النجاح تكمن في الفكر البشري الذي يمكن أن يتجاوز حدود المتوقع متى ما حصل على ما يرغب فيه وما يحفزه للإبداع.
يهرب كثيرون من هذا العنصر الصعب إلى التقنية، ليتخلصوا من عبء البحث في الحوافز والدوافع النفسية والاجتماعية والبيئية، وهذا يحقق لهم النجاح المأمول. وليس أوضح من النظر إلى أكبر الشركات العالمية لنعلم أنها شركات التقنية، التي تعتمد على عدد محدود مقارنة بحجم العمليات وتدفع بالحاسوب إلى المقدمة ليكون له حق الفصل في الحالات التي يصعب على البشر أن يفصلوا فيها.
ثم يأتي الذكاء الاصطناعي ليعيد الاهتمام بالعنصر البشري إلى الخلف، مع انتشاره بشكل غير مسبوق بكم المعلومات والقدرة على تسخيرها لمختلف الأهداف. وهذا في حد ذاته تحد قد ينقلب على من يباشره بمخاطر غير منظورة في الوقت الحاضر أو أنها معلومة لعدد محدود من المختصين. هذا التحدي الجديد يجعل الحالة المستقبلية ضبابية، ويجعل القرارات أقل دقة بسبب عدم توافر العناصر الأساسية المؤثرة في اتخاذ تلك القرارات.
تبقى حالات معينة مما يمكن للقائد ممارسته، يبتعد فيها كثيرا عن التعامل مع العاطفة ليؤثر عليها الواقعية الملموسة، وهنا تتضح معالم القيادة الأقدر على التعامل مع المتغيرات الخطيرة التي يمكن أن تشكل مستقبل العاملين وأسرهم. لهذا نجد في كثير من الأدبيات المحاولة المستمرة للقادة أن يكونوا أقرب إلى العاملين معهم، ويدعموا علاقات أكثر حميمية، لتبقى حالة عدم التوازن لدى الموظفين في مواجهة التحديات الجديدة منخفضة إلى أكبر قدر.
يسعى القائد المثالي اليوم إلى الاستثمار في المعرفة الشخصية للعاملين معه، وتطوير المهارات التي يمكن أن تحميهم من التقلبات التي تحدثها الحالة التقنية المتسارعة، وهنا تبرز أهمية العمل لربط المصالح بين مختلف المكونات الإدارية، ليكون الجميع أقرب إلى المستقبل، وأقدر على أن يتعاملوا معه.