الابتعاث .. البرنامج الطموح

أطلق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، خلال الفترة من 15 - 19 أكتوبر 2023، حملة وطنية بهدف التعريف بالبرنامج من كل الجوانب من حيث الأهداف والشروط، والمسارات الأساسية، والتخصصات الواجب التركيز عليها، وإعطاء الفرصة لأبناء الوطن كافة ممن تنطبق عليهم شروط الالتحاق بالبرنامج، الانضمام إلى قافلة المبتعثين، وما يلفت الانتباه الرقم المحدد الوصول إليه في عدد المبتعثين الذي يصل إلى 70 ألفا، موزعين على 17 دولة اختيرت بناء على تميز مؤسساتها التعليمية من جامعات ومعاهد عليا.
البرنامج يسعى إلى تعزيز ورفع كفاءة ومهارات رأس المال البشري، لنتمكن من تحقيق التنمية المستدامة، والرفع من كفاءة بيئاتنا البحثية تحقيقا للريادة على مستوى العالم، والدخول في معترك صناعة المعرفة وصناعتها، بدلا من حالة الاستهلاك المعرفي، والمنتجات المترتبة عليه. كما ورد في أهداف البرنامج تأهيل رواد الأعمال، وما أحوجنا إلى ذلك في زمن وعالم أبرز ما يميزه التنافس الحاد تجاريا وصناعيا وتقنيا، وبما يخدم المشاريع والقطاعات التنموية التي تضمنتها رؤية 2030.
استوقفني في برنامج خادم الحرمين للابتعاث رؤيته، إذ تم تحديدها بـ"مبتعثين منافسين عالميا يسهمون في التنمية الاقتصادية الوطنية"، وهذا شيء مهم، لكن في ظني أن التأثير سيكون أشمل من اقتصاره على المجال الاقتصادي، فالابتعاث لـ17 دولة بلغات وثقافات مختلفة، وفلسفة تعليم وفلسفة اجتماعية عامة مغايرة لما لدينا سيضفي تنوعا في مدارس التفكير والعمل، وهذا ما نحتاج إليه لنستفيد مما لدى الآخرين، ونخرج من الدائرة الضيقة في مجال إدارة العمل. أما رسالة البرنامج، فتتمثل في: "نبتعث للعلم وبناء القيادات التي تساعدنا على صنع شيء جديد ومختلف للعالم"، وما من شك أن السعي إلى تحقيق هذه الرسالة ليس بالأمر المستحيل، ونحن أحفاد من وضعوا أسس العلم من نظريات ومخترعات تقوم عليها منجزات الحاضر بشهادة رواد المعرفة، والمخترعات الحديثة، والحق ما شهدت به الأعداء.
البرنامج أخذ في الحسبان أن المبتعثين لن يكونوا إلا مميزين تسعى إليهم جهات العمل، ويحدثون التغيير في العالم، ويقودون التنمية محليا وعالميا، وما من شك أن هذا الطموح لا يليق إلا بالعظماء ونحن أهل له، خاصة أن تاريخ أسلافنا، وتاريخ حاضرنا يردد أسماء لامعة لأبناء الوطن في سماء العلم يعملون في جامعات وشركات وطنهم وخارجه، وسجلت بأسمائهم منجزات ومخترعات عالمية. إن هذا الطموح يمثل نافذة نقدم من خلالها ما لدينا، وما نعتز به، ونأخذ مما لدى الآخرين ما يناسبنا.
العالم في وضعه الحالي، وما يشهده من توترات وتغيرات نفسية وسلوكية وثقافية، يحتاج منا إلى من يعيده لوضعه الطبيعي المحترم للقيم الإنسانية الجليلة. والمبتعثون -سفراء الوطن- قادرون بسلوكهم وتعاملهم وإنجازاتهم على إحداث التغيير المنشود في الأوساط التي يدرسون أو يعملون فيها.
البرنامج وضعت له ركائز ثلاث تتمثل في توعية المبتعثين مبكرا للتخطيط الجيد للرحلة العلمية، واختيار المؤسسة المناسبة، حسب الشروط المحددة، وهذه الخطوة ضرورية لتجنيب المبتعث التخبط والاضطراب في البرنامج فيما لو كان الاختيار غير صائب، أما الركيزة الثانية فهي تطوير مسارات وبرامج الابتعاث تجنبا للركود، ومسايرة الجديد في المعرفة على المستوى العالمي، خاصة إذا علمنا حجم المنتجات العلمية من دراسات وبحوث واختراعات تستمتع بها البشرية. متابعة المبتعثين والتأكد من جاهزيتهم للعمل داخل الوطن وخارجه تمثل الركيزة الثالثة، ولعلي أقترح ربط المبتعث بجهة عمل قبل الابتعاث، سواء حكومية أو خاصة من خلال قاعدة معلومات متجددة باحتياجات سوق العمل تجنبا لوجود خريجين من مؤسسات تعليم راقية يعانون البطالة.
برنامج خادم الحرمين يشتمل على أربعة مسارات: أولها، مسار الرواد، ويبتعث الطلاب والطالبات في المجالات كافة، ويستهدف درجتي البكالوريوس والماجستير. أما المسار الثاني، فهو مسار البحث والتطوير، ويعنى بإيجاد الكوادر القادرة على الاضطلاع بالبحث والتطوير في المجالات ذات الأولوية للمملكة، ويستهدف درجة الدكتوراه. المسار الثالث، مسار إمداد يسعى لتزويد سوق العمل باحتياجاتها، ويستهدف درجتي البكالوريوس والماجستير، وإن كنت أرى أن يشمل الدبلوم، والتدريب لصقل وإعادة تأهيل من هم على رأس العمل، أخيرا المسار الرابع واعد، ويقوم على الابتعاث المبتدئ بالتوظيف شراكة مع القطاع الخاص، ويستهدف التدريب والدبلوم والبكالوريوس والماجستير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي