سوق الكربون .. تحديات وفرص «1من 2»

تأسست شركة سوق الكربون الطوعي الإقليمية في أكتوبر 2022 برأسمال مقداره 500 مليون ريال، بملكية 80 في المائة لصندوق الاستثمارات العامة، و20 في المائة لمجموعة تداول السعودية القابضة، وتهدف الشركة لدعم المنظمات في المنطقة لتمكينها من الوصول إلى الحياد الصفري، إضافة إلى ضمان شراء شهادات أو أرصدة الكربون. وتقوم الشركة عادة بإعلان المزادات على تداول الكربون، ومنها أن الشركة باعت 2.2 مليون طن من أرصدة الكربون، وذلك في أكبر مزاد لأرصدة الكربون عقدته الشركة في العاصمة الكينية نيروبي في يونيو الماضي، وتحدد السعر عند 6.27 دولار للطن، مع العلم أن شركات أرامكو السعودية، والشركة السعودية للكهرباء، وشركة إينووا التابعة لنيوم، اشترت أكبر عدد من أرصدة الكربون. وتشرف الشركة على منصة الرياض الطوعية لتداول شهادات تعويضات الكربون من أجل أن تصبح وجهة رئيسة للمنظمات الإقليمية التي تهدف إلى تقليص انبعاثات الكربون.
الجدير بالذكر أن مجلس الوزراء أوعز في 2009 بتشكيل اللجنة الوطنية آلية التنمية النظيفة تحت إشراف وزارة البترول والثروة المعدنية سابقا "وزارة الطاقة الآن"، لتكون مسؤولة عن المراجعة والتقييم والموافقة على مشاريع آلية التنمية النظيفة لخفض انبعاثات الكربون والمقدمة من منشآت المملكة، لاستكمال تسجيلها لدى سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي، والحصول على اعتمادات خفض الكربون المتداولة. لكن البعض تساءل عن سوق الكربون وما شهادات تعويضات الكربون وأرصدة الكربون؟ ولماذا تهتم المملكة بها؟ وأهم التحديات والفرص بها؟ دعونا نبدأ القصة الكربونية من البداية.
تعد أرصدة الكربون وسيلة لإظهار كمية انبعاثات الكربون التي أمكن تجنبها بوساطة أي مشروع معين، ويقابل كل رصيد كربوني طن واحد من الانبعاثات التي تم تعويضها. إن تداول الكربون هو نظام يعتمد على آلية السوق لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة من خلال تقديم حافز مالي، وتعد أرصدة أو ائتمان الكربون من الأدوات القائمة على السوق التي تسمح للشركات والحكومات والمنظمات الأخرى بمعالجة انبعاثات الغازات الدفيئة من خلال تمويل المشاريع التي تقلل، أو تزيل ثاني أكسيد الكربون أو ما يسمى انبعاثات الغازات الدفيئة من الغلاف الجوي. إن أرصدة أو ائتمان الكربون هي شهادات قابلة للتداول وأحيانا تسمى شهادات تعويضات الكربون، وهي تصريح يمنح لحامله الحق في إطلاق ثاني أكسيد الكربون أو الغازات الدفيئة الأخرى، مثل الميثان أو أكسيد النيتروز أو الهيدروفلوروكربونات خلال فترة معينة. لكن هذه المفاهيم قد اختلطت على البعض، بما فيها الإعلام، بين أرصدة أو ائتمان الكربون وشهادات الكربون وتعويضات الكربون، وصولا إلى شهادات الطاقة المتجددة.
إن تعويضات الكربون هي تخفيض الانبعاثات الكربونية من أجل التعويض عن الانبعاثات الناتجة في مكان آخر، بينما تمثل شهادات الطاقة المتجددة حقوق الملكية للسمات البيئية والاجتماعية وغيرها المتعلقة بالطاقة المتجددة. ويتم إصدار أرصدة الكربون في شكل تخفيضات الانبعاثات المعتمدة من قبل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، حيث يتم منح كل وحدة خفض انبعاثات معتمدة مقابل كل طن من الغازات الدفيئة التي يقوم المشروع بتخفيضها أو تجنبها أو إزالتها. ويعد مجلس الكربون العالمي، المعروف سابقا باسم صندوق الكربون العالمي، أول برنامج تطوعي لتعويض الكربون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يسهل على أصحاب المصلحة العالميين تنفيذ الإجراءات المناخية من خلال توفير برنامج طوعي لتعويض الكربون.
لقد اكتسبت أرصدة الكربون مكانة في مكافحة التغير المناخي وانبعاثات الغازات الدفيئة، ولم يعد هناك أي شك في فاعليتها، حيث إن عديدا من الدول لديه تسعيرة وأسواق للكربون تعمل منذ أكثر من 15 عاما. ويحدد بروتوكول كيوتو، بوضوح، عددا من الخطوات التي يتعين اتخاذها لضمان الحياد الصفري. ولتحفيز هذه العملية، يوجد اليوم عدد من الدول التي تقدم شهادات الكربون للبيع، منها أكثر من 46 دولة تملك شهادات أو أرصدة الكربون ومن أهم الدول التي تتقدم في استثمار شهادات الكربون، وتملك أسواقا له، هي: الصين والهند واليابان والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وكندا وأستراليا، إلى جانب نظام تجارة الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي. لقد بدأ عديد من الدول الأخرى في اقتصادات ائتمان الكربون الناشئة بالظهور في تجارة الكربون، مثل تايوان بسبب ازدهار صناعة الإلكترونيات فيها، وبعض الدول الأوروبية التي لديها برامج تعمل بالتوازي مع جهودها في ضمان مستقبل آمن بيئيا للجميع. وتشمل هذه الاقتصادات الأوروبية، على سبيل المثال لا الحصر، الدول الاسكندنافية مثل آيسلندا والنرويج، حيث يجلب هذان البلدان أحدث تقنيات الطاقة المتجددة إلى سوق الكربون. علاوة على ذلك، يجتمع عديد من الدول معا لتشكيل تكتلات تعمل على تعويض مسؤوليتها عن الكربون.
إن أكبر بائع لشهادات الكربون هما حاليا الصين والهند، وإن أكبر مشتر لشهادات الكربون عادة ما تكون دول أوروبا، وذلك لصرامة المنظومة التشريعية. وفي تحليل منفصل لـ"بلومبيرج"، فإن أكبر مشتري أرصدة الكربون الطوعية، العملات المشفرة وشركات الطيران وشركات صناعة السيارات، ويغطي التحليل نحو 50 في المائة فقط من سوق الكربون العالمية في 2021. وفي شركة أبل، ومن أجل تسمية ساعاتها بأنها "محايدة للكربون" دون أن تكون قادرة على القضاء على جميع الانبعاثات المرتبطة بتصنيع الساعات، فقد اشترت شركة أبل أرصدة الكربون للتعويض عن 8.1 كيلوجرام من الانبعاثات أو نحو 22 في المائة من إجمالي البصمة الناتجة عن صنع الساعات. في المقابل، نرى أن شركة تسلا قامت ببيع أرصدة الكربون لشركات صناعة السيارات الأخرى.
من جانب آخر، نرى أن المستثمرين والشركات، مثل: كارجيل وجنرال ميلز وماكدونالدز وشوبيفاي ومايكروسوفت وجي بي مورجان، ملتزمون بدعم أساليب الزراعة التي تعمل على تجديد التربة وتخزين الكربون، وهم يشترون أرصدة الكربون من المزارعين، ما يحفزهم على مواصلة احتجاز الكربون في مزارعهم... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي